الاثنين، 24 فبراير 2014

ديفيد هيوم ومشكلة الاستقراء

بسم الله الرحمن الرحيم

أقدم لكم اليوم مقالاً من موقع فهم الدين ليحيى محمد ينقل فيه كلاماً حول الاستقراء ومشكلة السببية،
وللعلم ليس هيوم أول من نفى السببية الطبيعية، بل كان للأشاعرة وعلى رأسهم الغزالي رحمه الله السبق إلى هذا، بل أن كتابات المفكرين الإسلاميين لمن يبحث تشي بإنكار وجود السببية الطبيعية والسبب كان للسماح وقوع المعجزات، وطبعاً تتحول السببية من حقيقة وجودية إلى مبدأ عقلي قَبْلي نؤسس عليه ما نراه اعتقادنا علمياً كان أو ديني.

ولمن يحب الوقوف على فكر الغزالي بشكل جيد ليعد إلى هذا البحث أدناه بالضغط عليه وتحميل الملف:

في بحثي لنقد فلسفات ديفيد هيوم، وقفت على مقالات كثيرة، وبعد بحث مضني وقرائتي لمقالات لا أصفها سوى بأنها شاتمة ومهينة، وقفت على مقال متزن أقول عنه إنه جيد في نقل الرأي والرد عليه بأمانة قدر الإمكان.

قراءة ممتعة
ديفيد هيوم ومشكلة الاستقراء

يحيى محمد

يعرّف الدليل الاستقرائي عادة بأنه استدلال يعتمد على حالات خاصة قليلة لينتهي بالنتيجة الى حالة عامة، كما هو الحال في القانون الاستقرائي القائل (كل حديد يتمدد بالحرارة)، فلا شك انه ناتج عن اختبار عدد محدود من قطع الحديد بالحرارة. والحقيقة ان الاستقراء لم تقتصر وظيفته على اثبات الحالة العامة. اذ لا شك ان له دوراً آخر في اثبات الحالة الفردية من خلال ملاحظة القرائن وتجميع الاحتمالات حتى يصل بها الى درجة الاثبات او اليقين. فمثلاً كيف نعرف ان ذلك القدح مملوء بالماء لا الخمر، لولا عملية الاستقراء الكاشفة عن عدة قرائن احتمالية تتراكم لتصل الى مرحلة الجزم واليقين. ومن الواضح ان هناك مشكلة اساسية في الاستقراء، ففي مثالنا الانف الذكر (كل حديد يتمدد بالحرارة) علمنا انه جاء نتيجة عدة اختبارات لقطع محدودة من الحديد، وبالتالي كيف جاز لنا ان نعمم النتيجة ونعتبر كل حديد يتمدد بالحرارة؟ وبعبارة اخرى: كيف نحكم بما هو شاهد على ما هو غائب؟ وكيف نحول ما هو خاص جزئي الى ما هو عام كلي؟ ومن ثم كيف نبرر عملية اليقين في التعميم، بل وكيف نبرر كذلك حالة اليقين في اثبات القضايا الفردية؟ وكيف يسوغ لنا ان نحول الاحتمال مهما بلغت قوته الى يقين جازم مطلق؟

وهكذا فان مشكلة الاستقراء في جوهرها هي مشكلة اليقين والتعميم. واذا ما علمنا ان اغلب المعارف االبشرية هي معارف استقرائية، ادركنا قيمة الجهود التي تبذل لتفسير عملية الاستقراء. فتفسير هذه العملية هو في حد ذاته تفسير لأغلب المعارف التي يتزود بها الفكر البشري. من هنا جاءت دراسة (الاسس المنطقية للاستقراء) وهي تعبّر عن هذا المعنى. فهي ليست مجرد تفسير للاستقراء بما هو استدلال فحسب، بل انها تمثل تفسيراً لاغلب معارف الفكر البشري، سواء كانت علمية او حسية او ميتافيزيقية او غير ذلك من المعارف الاخرى.

والمتتبع للمذاهب التي عالجت مشكلة الاستقراء، سيجد انها تفترق من الناحية الرئيسية الى موقفين متناقضين، أحدهما قديم يمتد الى ارسطو واتباعه من العقليين ومَن سار على شاكلتهم، والاخر حديث يبدأ من فيلسوف الشك التنويري ديفيد هيوم. فبينما كان المنطق العقلي يرى ان الاستقراء محلول أمره من أوله الى آخره دون ان يعي أي مشكلة يمكن ان يشار اليها بالبنان؛ جاء الفكر الحديث وهو يرى ان مشكلة التعميم واليقين مستعصية، مبدياً عدم تفاؤله بأي أمل لإنقاذ المعرفة البشرية من براثن الشكوك والظنون.

ووسط هذا الضباب، بين عدم الوعي بالمشكلة والوعي بها، وبين حل القضية والتعذر عن حلها، جاء دور الصدر الريادي ليدشّن طريقاً جديدة في المعرفة البشرية. لقد وقف الصدر موقفاً مزدوجاً تجاه كل من المنطق الارسطي والمنطق الحديث، فهو مع المنطق الارسطي أخذ ينعى عليه حلوله الساذجة، ويكشف عما فيها من دور ومصارات ليس الاستقراء بحاجة اليها. أما موقفه مع المنطق الحديث، فهو وإن وافقه على وجود مشكلة منطقية في الاستقراء، لكنه اعتقد بالقدرة على تذليلها والقضاء عليها. فهو يتفق مع المنطق الحديث ويعي ان البرهنة على قضايا التعميم واليقين في قضايا الاستقراء انما هو ضرب من المستحيل، لكنه مع ذلك سلك سبيلاً آخر لم يسبق له مثيل، حيث انه افترض اليقين في العملية الاستقرائية وقام بتبريره منطقياً.

***

من الناحية التاريخية ان أقدم المصادر التي تطلعنا على الاعتراف بوجود مشكلة في الاستقراء هي تلك التي تعود الى جابر بن حيان الكوفي خلال القرن الثاني للهجرة، حيث انه لا يرى ما يبرر اليقين في التنبؤ بالحوادث والتعميمات الاستقرائية، ويعتبر ان الدلالة عليها لا تزيد عن محض الاحتمال. فابتداءً يرى ان اضعف حالات الدليل هو ذلك الذي لا يعول الا على شاهد واحد، كمن يقول بأن إمرأة ما ستلد غلاماً وذلك اعتماداً على ما رآه انها قد ولدت قبل ذلك ولداً واحداً لا غير. في حين يعتبر ان أقوى حالات الاستدلال بالاستقراء هو ما كانت شواهد الوجود دالة عليه من غير مخالف، كمن يقول بأن ليلتنا هذه ستنكشف عن يوم يتبعها، استناداً الى ما رآه من اضطراد في تتابع الليل والنهار. وبين هذه الحالة والحالة التي قبلها؛ هناك حالات اخرى تتفاوت قوة وضعفاً بحسب كثرة النظائر وقلتها. وهو في جميع الاحوال لا يرى في هذه الحالات ما يفضي الى اليقين، بل فيها ظن وحسبان تبعاً لما يدرك من نظام وشبه ومماثلة (حتى انه لو حدث في يوم ما من السنة حادث لترجو حدوث مثل ذلك الحادث بعينه في ذلك اليوم من السنة الاخرى، فان حدث في ذلك اليوم بعينه من هذه السنة مثل ذلك الحادث تأكد عندهم ذلك ان سيحدث مثله في السنة الثالثة، وإن حدث في السنة الثالثة ايضاً، حتى اذا حدث ذلك مثلاً عشر مرار في عشر سنين لم يشكوا البتة في حدوثه في كل سنة). ويزداد الوقع في النفس فيما لو زاد العدد، فكيف اذا ما كان الاضطراد على وتيرة واحدة من الحدوث؟! وقد اعتبر جابر ان هذا الحال اوهم بعض رجال العلم مثل جالينوس، فمع تمكنه من العلم وتدربه في النظر فانه حسِب مثل تلك الحالات المضطردة عقلية أولية، فقال في كتابه البرهان: (ان من المقدمات الأولية في العقل انه اذا كان الصيف يتبعه الخريف لا محالة، فانه لم يكن الا بعد خروج الربيع). وهذا ما أنكره جابر، ذلك انه لا يُؤمّن ان يحدث هناك صيف لا يعقبه خريف ولم يتقدمه ربيع. وهو على العموم يرى ان علة عدم قدرتنا على التيقن من الحوادث المستقبلية جاء لسبب عدم احاطتنا بادراك جميع الموجودات [i]

لكن يظل ان الفضل في الكشف عن طبيعة المشكل المنطقي الذي يتضمنه الدليل الاستقرائي؛ يعود الى الفيلسوف الانجليزي ديفيد هيوم (1711 - 1776) المعروف بنقده للمعرفة ورده على النزعة العقلية. فهو في مواقفه النقدية أثار مشاكل جديدة كان لها الاثر البالغ على نضج التفكير الفلسفي لدى الذين خلفوه؛ سواء من التجريبيين كالوضعية المنطقية، او من العقليين كالفيلسوف عمانوئيل كانت الذي قال صراحة: (انني لاعترف صادقاً ان ما استذكرته من تعليم ديفيد هيوم كان هو على وجه التحديد العامل الذي أحدث - منذ اعوام كثيرة - اول هزة ايقظتني من سبات جمودي الاعتقادي، ووجّه أبحاثي في مجال الفلسفة التأملية وجهة جديدة) .[ii]

وعليه كان الهدف من كتابه الموسوم (نقد العقل المجرد) هو انقاذ المعرفة البشرية من خطر الانتقادات التي أحدثها هيوم.

وعلى العموم ان ظهور هيوم والرد عليه من قبل كانت ثم مجيء الوضعية المنطقية التي نقدت ما قبلها؛ كل ذلك قد ادى الى بلورة المشاكل الاساسية المتعلقة بالدليل الاستقرائي.

فما من أحد يشك في ان هيوم هو اول من وجد في الاستقراء مشكلة منطقية.. هذه المشكلة التي تتحدد بمسألة وجود المبرر المنطقي للترجيح والتعميم؛ اعتماداً على فهم السببية بشكل خاص. لذلك كانت هناك مواقف مختلفة اتجاه الدليل الاستقرائي؛ بعضها ينفي المشكلة من الاساس، وبعض آخر يرى أنها ثابتة لا تزول، كما توجد هناك مواقف أخرى لا تصل الى هذين الحدين المتطرفين، وتبتغي سبلاً متباينة من الوسط.

وقد ارتبطت بهذه المشكلة مشكلة منطقية آخرى تتعلق بمبرر اليقين في القضايا الاستقرائية؛ حتى تلك التي لا تكون لها علاقة بالتعميم؛ كمعرفتنا بوجود واقع موضوعي حولنا، وبوجود زيد وموت سقراط ونشوء الارض.. الخ.

***

قلنا سابقاً ان أول من أثار المشكلة المنطقية للاستقراء هو ديفيد هيوم؛ الذي اليه يرجع الفضل في نقد المعرفة عموماً والاستقراء خصوصاً. ويكفي أن ندرك الخطورة التي أحدثها بما شيع عنه أنه (أثار الفضيحة في الفلسفة)، حيث كثرت المحاولات للتخلص من المأزق الذي حفره ضد كل من العقليين والتجريبيين معاً. وهناك من المفكرين من يؤمن بالطريقة الاستقرائية، لكنه في الوقت ذاته يعترف بعجز الفلسفة عن ان تجد حلاً لمشكلة الاستقراء كما طرحها هيوم، وينطبق هذا الحال على كل من الاستاذين برود ووايتهيد، ذلك انهما يؤمنان بالطريقة الاستقرائية، الا انهما مع ذلك عبرا عن المشكلة الاستقرائية تعبيراً متقارباً، وهو ان الاول اطلق عليها (فضيحة الفلسفة)، في حين وصفها الاخر ب (يأس الفلسفة)[ iii ]. وقد ذكر الاستاذ كاتز Katz ان المعضلة التي جاء بها هيوم بقي مفعولها سارياً من دون مقاومة تذكر طوال مائة وثمانين سنة[ iv ]. فمع ان بيرس Peirce قدّم الحجة البراجماتية لتبرير الاستقراء والتي ظهر انها كثيرة الشبه بما سعى اليه من بعد ريشنباخ، لكن ما قدّمه بيرس سنة ( 1878) لم يكن معروفاً حتى شيوع افكار ريشنباخ وقبولها كمنافس جدي للشكية التي زرعها هيوم. [v]

وطبقاً للاستاذ سالمون ان من الخطأ التصور بان ما جاء به هيوم هو انه كشف عن فشل الاستقراء في ان يضمن لنا تحقيق النتائج الصحيحة على الدوام، كالذي توهمه الاستاذ كاتز في كتابه (مشكلة الاستقراء وحلها). فعلى رأي سالمون ان هذا الامر كان معروفاً قبل هيوم بمدة طويلة، بل ما جاء به هذا الاخير ابعد غوراً من ذلك، وهو انه من غير الممكن باي دليل كان ان نثبت ضمان اي نتيجة ايجابية جزئية عبر المقدمات الصحيحة التي يقدمها الدليل الاستقرائي[ vi ]. فمثلاً ليس بوسع المشاهدات الاستقرائية ان تثبت لنا ان هذه النار التي امامنا ستحرقنا اذا ما قذفنا بانفسنا فيها. مما يعني ان الدليل الاستقرائي غير منتج تماماً. بل وزاد على ذلك كاتز، معتبراً ان له محاولة مكملة، وهي انه ليس هناك امكانية تطمح الى تبرير الاستقراء على الاطلاق، فالاستقراء لديه لا يمكن تبريره فضلاً عن اثباته.[vii]

وعلى العموم نرى أن مذهب هيوم في الاستقراء يقوم على أمرين أساسيين لابد من دراستهما معاً:

الاول: ويتقرر بأن أي محاولة للاستدلال على مبدأ الاستقراء تتعرض للدور، كما أن التعميم فيه لا يملك أي تبرير ممكن.

الثاني: ويتقرر بأن ما نسعى اليه من استنتاجات إستقرائية وقضايا تعميمية؛ كل ذلك يقوم على فهم خاطئ للسببية.

***

1- محاولة اثبات الدور في الاستقراء

لعل اول من اومأ الى وجود الدور في الدليل الاستقرائي هو جون لوك، وذلك خلال اواخر القرن السابع عشر وبداية القرن الثامن عشر، لكن صياغة هذا النوع من التناقض لم تنكشف بجلاء الا عند هيوم، رغم انه لا هذا الاخير ولا سابقه لوك قد استخدم مصطلح (الاستقراء) في سياق كلامه عن ذلك التناقض .[viii]

لقد ادرك هيوم انه لا يوجد ما يبرر الدليل الاستقرائي، سواء لجأنا الى القياس او الى الاستقراء ذاته. فمن حيث ان النتيجة في الاستقراء هي غير منتزعة من المقدمات ولا مستبطنة فيها، فهذا يجعله لا يستند الى القياس، اما لو اعتبرناه مبرراً تبعاً لعملية النجاح الاستقرائي في الماضي، فان ذلك يجعله واقعاً في الدور.[ix]

وتوضيحاً للنقطة الاخيرة، هو ان العملية الاستقرائية لا يمكن لها أن تتم بالشكل المطلوب ما لم يكن هناك افتراض يقرر بأن العلاقات الجارية في الطبيعة هي علاقات حتمية. وحيث أن هذا الافتراض لا يمكن البرهنة عليه؛ لذا فان الاستقراء يظل عاجزاً عن تقديم المعرفة الجديدة. فعلى رأيه أن كل محاولة يراد لها البرهنة على صحة الاستدلال الاستقرائي لابد أن تواجه حلقة فارغة من الدور. فقد يقال بهذا الصدد ان ملاحظاتنا السابقة للوقائع في الطبيعة هي التي علمتنا صحة الدليل الاستقرائي. فنحن نلاحظ دائماً أن الاوراق التي توضع في النار تحترق، وأن الحديد الذي نقربه من الحرارة يتمدد، وأن الشمس تشرق وتغرب كل يوم، وأن السمك يموت خارج الماء... الخ. فجميع هذه الظواهر جعلتنا نعتبر أن بالامكان أن نعمم عليها الحالات الاخرى المشابهة لها.

لكن واقع الامر أننا نستدل على الدليل الاستقرائي من خلال إستقراء آخر، فيتحتم علينا أن نقع في الدور. وسنبرز هذه الحجة من خلال المثال التالي:

لنفترض أنا نريد أن نستدل على القضية القائلة بأن كل نار تحرق. في هذه الحالة لابد من توفر مقدمتين بالشكل التالي:

الاولى عبارة عن ملاحظاتنا السابقة التي كشفت عن صفة الاحراق للنار. أما الثانية فهي الاقرار بأن الاشياء المتشابهة تخضع الى نفس الحكم. فمن هاتين المقدمتين نستنتج أن كل نار تحرق.

لكن الملاحظ أن المقدمة الثانية إما أن تكون مصادرة على الاستقراء أو مستدلة به، ولا شك أنه لا يوجد ما يبرر المصادرة. فيبقى انها عبارة عن نتاج إستقرائي، فنكون قد وقعنا بعملية فارغة من الدور. ولا فرق في ذلك فيما لو قلنا ان ما نشاهده من اطرادات منتظمة في الماضي تخول لنا ان نتوقع استمرارها في المستقبل، وما لو قلنا ان نجاح قاعدة الاستقراء في الماضي تدعونا الى توقع نجاحها في المستقبل، فكل ذلك مما يتضمن الدور، او افتراض مصادرة ان الشبيه يأتي بالشبيه طبقاً للقانون الارسطي (الحالات المتشابهة تفضي الى نتائج متماثلة) والذي هو ايضاً نتاج العملية الاستقرائية ذاتها، مما يؤكد ما نحن فيه من الدور.

وهناك عبارات عديدة لهيوم يشير فيها الى هذا النوع من الافتراض المتعلق بتشابه المستقبل للماضي، ومن ذلك قوله: (كل النتائج التجريبية تقوم على افتراض كون المستقبل سيكون وفق ما عليه الماضي)، (وان جميع الادلة المعتمدة على الخبرة تفترض اساساً كون المستقبل سيشابه الماضي)، (وان كل التفكير القائم على الخبرة يتأسس على افتراض ان عمل الطبيعة سوف يستمر على نفس الهيئة باضطراد) .[x]

فهذه الحالة من الدور هي نفسها التي لم يكترث لها ستيوارت مل فتعرض الى نقد من جاء بعده، ومن أبرز هؤلاء النقّاد برتراند رسل الذي قال: (كان الكتاب الذي أذاع شهرته - لجون ستيوارت مل - أكثر من أي شيء آخر هو كتاب (نسق في المنطق). وكان الشيء الجديد في الكتاب بالنسبة الى عصره هو معالجته للاستقراء الذي يقوم في رأيه على مجموعة من القواعد تذكرنا الى حد بعيد بقواعد الارتباط السببي عند هيوم.. وكان رأي مل هو ان ما يعطي مبرراً للسير على هذا النحو - أي بالنسبة الى تبرير البرهان الاستقرائي - هو الاطراد الملاحظ في الطبيعة، الذي هو ذاته استقراء على أعلى مستوى. وبالطبع فان هذا يجعل الحجة كلها حلقة مفرغة، وإن كان يبدو أنه لم يكترث بهذا الامر)[ xi ]. وعلى شاكلة عدم الاكتراث هذا ما ذهب اليه كل من ماكس بلاك وبريثوايت، حيث اعتبرا الاطراد في الماضي ونجاح الاستقراء فيه دليل على نجاحه في المستقبل، ولم يحسبا ذلك من الدور الباطل، بل هو دور بالمعنى الذي تؤكد فيه النتيجة صحة ما سيكون عليه الامر في الحالات التنبؤية او المستقبلية. فهذا الدور عندهما ليس فاسداً ولا معاباً
او منافياً للحجة. وقد تعرضا على ذلك للنقد من قبل الاخرين.[xii]

هكذا ان هيوم يُشْكل على الدليل الاستقرائي بانه يفشل كلياً في تأسيس المعرفة الخاصة بالتنبؤات المستقبلية وغير المشاهدة اذا ما كانت الطبيعة غير منتظمة او مطردة، وانه لا يمكننا ان نعرف، لا قبلياً ولا بعدياً، حقيقة ما عليه الطبيعة من انتظام او عدم انتظام. فلا يوجد سبب قبلي ولا بعدي يبرر صحة الدليل الاستقرائي، اذ القبلي لا يكشف ولا يخبر عما في الخارج، وان البعدي يعتمد على الاستقراء ذاته؛ فكيف يمكن تبرير ذاته؟!

وقد كان عدد من المفكرين يرون مبدأ انتظام الطبيعة واطرادها اساساً قبلياً لحل مشكلة الاستقراء وتبريره، فلو رأينا ظاهرتين احداهما تتبع الاخرى على الدوام، فالنتيجة تعني انهما سيستمران على هذا النحو من التتابع في المستقبل طبقاً لذلك المبدأ. وهو مبدأ مستقل عن الزمان والمكان، فلو اننا لاحظنا ان الغاز يتمدد بالحرارة في مكان او لحظة ما يكون فيها الضغط ثابتاً، فان ذلك يجعلنا نتأكد من حصول هذه النتيجة على الدوام في المستقبل، وبعض الفلاسفة فضّل صياغة هذا المبدأ بالقاعدة التي تقول: ان نفس السبب ينتج النتيجة ذاتها. او كما يقول المنطق الارسطي: (الحالات المتشابهة تنتج نتائج متماثلة). لكن المعترضين على هذا المبدأ هو انه وضع كتبرير لحل المشكلة الاستقرائية مع انه يحتاج الى تبرير، ذلك انه ليس مبدأً منطقياً بحيث ان مخالفته تفضي الى التناقض، وبالتالي فهو مستمد من التجربة، الامر الذي يفضي به الى الوقوع في الدور، مثلما اكد على ذلك هيوم[ xiii ]. ومع انه ليس بالضرورة ان يكون كل مبدأ قبلي قائماً على مبدأ عدم التناقض، لكن لا شك من انه لابد ان يقوم على مبدأ الضرورة العقلية. وعلى رأي هيوم ان خبرتنا الماضية ليست فقط لا تبرر لنا ما سيحدث غداً على وجه اليقين، بل انها أيضاً لا تبرر ذلك على وجه الاحتمال، إذ الاحتمال على رأيه مستمد من نفس إفتراض التشابه المنزوع عن الاستقراء، فكيف نقيم الحكم عليه !؟[xiv]

وعلى حد قوله: (ان الاحتمال يتأسس على افتراض المشابهة بين تلك الموضوعات التي لنا فيها خبرة وتلك التي لم نجربها بعد)[ xv ]. فالاحتمال المتعلق بمعرفة الواقع عند هيوم ينقسم الى قسمين: أحدهما الاحتمال التخميني الخاص بالمصادفات. والاخر الاحتمال البرهاني الخاص بالاطرادات السببية، ويتصف بأنه ينشأ في البداية على اساس الاول. الا ان كليهما منزوعان عن الانطباعات الحسية التي تفسرها العادة بحسب كثرة الاحساس بوقوع الحوادث المتشابهة .[xvi] وهما على هذا عاريان عن الشكل المنطقي كما هو في ذاته.[xvii]

مهما يكن فالملاحظ ان محاولة هيوم لإلصاق المغالطة في تبرير الدليل الاستقرائي على اساس الخبرات الماضية؛ هي صحيحة تماماً. لكن ما ابداه بخصوص تفسير الاحتمال برده الى الانطباعات الحسية وتفريغه من الطابع المنطقي هو تفسير ساذج لا يُقر عليه.

***

2- الاستقراء وتحليل السببية

في هذا الجانب يعتمد هيوم في كشفه لطبيعة الاستقراء على تحليل السببية منطقياً ونفسياً بالصورة التي نوضحها كما يلي:


الاستقراء والتحليل المنطقي للسببية


في التحليل المنطقي يتناول هيوم بحث الارتباطات الخارجية التي تتضمن علاقة السببية ان كانت تنطوي على ضرورة موضوعية ام لا؟ فمن المعلوم ان المذهب العقلي سلّم بأن هناك ارتباطات ضرورية لعلاقات السببية الخاصة في الخارج؛ هي التي تبرر عملية التعميم في الدليل الاستقرائي. بيد ان هيوم اخضع هذا الافتراض الى محك النقد والتحليل، فما هو المبرر الذي يجعل علاقات الطبيعة تتصف بالحتمية والضرورة؟ ان هيوم باعتباره فيلسوفاً حسياً ليس بوسعه ان يعوّل على المصادرات القبلية. لذا لم يبق لديه الا البحث الخارجي من خلال الملاحظة والتجارب؛ علها تكشف لنا عن صفة الضرورة في العلاقة السببية.

وإذ يمكن ان نتساءل: هل هناك سبيل - مثلاً - لأن نستكشف العلاقة الحتمية بين تمدد الحديد وبين الحرارة حين نراهما مقترنين معاً باطراد؟ يجيب هيوم - ومن حقه ذلك - بأن كل ما نراه انما هو وجود اقتران مطرد، فالتجربة لا تتمكن من أن تضيف لنا شيئاً آخر اكثر من ذلك. وهو يضرب لنا مثلاً على ذلك، ويقول بان (كرة بيلياردو تتدحرج باتجاه كرة اخرى، تتصل الاثنتان ببعضهما، فتتحرك الثانية، لا يوجد هنا شيء قابل للملاحظة يمكن تسميته علاقة حتمية) .[xviii]

بهذا يصل هيوم الى انه لا يمكن اكتشاف الضرورة في علاقة السببية ولا إقامة الدليل عليها مهما كان حجم الاطرادات التي نراها. وهو بذلك لا يفرق إن كانت السببية خاصة او عامة، اذ كلاهما لديه يخضعان الى نفس الحكم. فهو يعتبر السببية العامة ليست من القضايا التحليلية التي تتصف علاقاتها بالضرورة والمنطقية كالرياضيات ومبدأ عدم التناقض؛ حيث النتائج فيها منتزعة من نفس مقدماتها، لهذا كانت لا تخبر بشيء عن الواقع الخارجي[ xix ]. وهو اذ يعتبر مبدأ عدم التناقض اساس هذه القضايا؛ فانه يرى ان كل قضية لا يتناقض خلافها معها فهي تحتاج الى دليل من التجربة؛ بخلاف القضية التي تنطوي على التناقض.

فمثلاً ان القضية القائلة (ان الاعزب هو من لا زوجة له) هي قضية تحليلية؛ باعتبار ان خلافها ينطوي على تناقض، وذلك لأن معنى المحمول هو عين الموضوع. أما مع السببية العامة فالامر يختلف تماماً، اذ كشف هيوم - بحق - ان خلافها لا ينطوي على تناقض، اذ لا مانع منطقياً [xx] من وجود حوادث بدون اسباب، او على حد تعبيره الخاص: (ليس ثمة شيء ينطوي على شيء آخر)، مما يعني انها ليست مستنبطة من مبدأ عدم التناقض، وبالتالي فلابد ان تحتاج الى دليل من التجربة. لكن كيف للتجربة ان تدل عليها وهي عاجزة عن كشف الضرورة؟!

بذلك التحليل يقرر هيوم ان لا سبيل الى اثبات الضرورة ولا الى نفيها، فهي في كل الاحوال تظل مشكوكة الوجود ابداً. والدليل الاستقرائي الذي يعتمد عليها يظل عاجزاً عن النهوض لاثبات التعميم في العلاقات الخارجية المطردة.

وقد كانت هذه المشكلة التي طرحها هيوم موضع اهتمام الفيلسوف الالماني عمانوئيل كانت الذي حاول حلها بافتراض العلاقة السببية كمقدمة لا غنى عنها، حيث اعتبر ان موضوعات احكامنا الادراكية مبنية على تلك العلاقة، وان كل سببية خاصة تفترض اطراد الاتصال في هذه العلاقة، وبالتالي فان اطراد الطبيعة يشمل كل العالم الظاهر القابل للادراك. لكن هذه الفكرة لم تقنع النقاد، حيث ان نظرية كانت لم توضح وجه اللزوم العقلي الذي تحتاجه عمليات الاستقراء، ولم تبيّن لماذا مثلاً تتفوق فرضية على اخرى تبعاً لعدد ما تقدمه من ادلة وبيّنات .[xxi]


موقف الصدر من التحليل المنطقي لهيوم

هناك عدد من النقاط الاساسية التي يمكن استنتاجها من التحليل المنطقي الذي أفاده هيوم،

وهي كالاتي:

1- ان اساس معرفة السببية يعود الى التجربة لا العقل، باعتبارها لا تستنبط من مبدأ عدم التناقض.

2-  ليست الضرورة من القضايا التي يمكن للتجربة ان تثبتها او تنفيها.

3-  على هذا فان عدم اثبات الضرورة يجعل من التعميم في الدليل الاستقرائي فاقداً للتبرير المنطقي.

هذه أهم النقاط التي نستخلصها من تحليل هيوم للسببية وعلاقتها بالدليل الاستقرائي. وللمفكر الصدر مواقف نقدية متعددة ازاءها.

فبالنسبة الى موقفه من النقطة الاولى، انه يختلف مع هيوم في تفسير اساس معرفتنا بمبدأ السببية (العامة)، ويتفق مع العقليين في كونها قبلية. لكنه مع ذلك لا يعتبرها مستنبطة من مبدأ عدم التناقض او غيره من المبادئ القبلية، بل حسبها من القضايا الاولية المنطوية على الضرورة.[xxii]  وهو بهذا لا يوافق على التقسيم الذي أجراه هيوم بحق القضايا، اذ كما عرفنا انها تدور لديه بين ان تكون تجريبية او مستنبطة من مبدأ عدم التناقض، والحال ان السببية عند الصدر لا تنضم الى ايّ من هذين المنبعين. 

أما موقفه من النقطة الثانية، فهو على خلاف هيوم يعتقد ان بامكان التجربة اثبات الضرورة في العلاقة السببية، سواء الخاصة منها او العامة، مؤكداً بأنه حتى مع استبعاد الجانب القبلي للسببية العامة فان من الممكن اثباتها بالتجربة[ xxiii ]. كل ما في الأمر ان ذلك يقوم على أمرين مجتمعين معاً: (الاول: معطيات الخبرة الحسية التي تبدو فيها الحادثتان مقترنتين مرات عديدة. والاخر: الاحتمال العقلي المسبق للواقع الموضوعي للعلية، نتيجة لعجز التفكير العقلي المحض عن الاثبات والنفي.

 فالخبرة + الاحتمال المسبق = الدليل على الواقع الموضوعي للعلية) .[xxiv]

أما موقفه من النقطة الأخيرة فيعتمد على ما مر قبل قليل، اذ ان التعميم لا يثبت ما لم تثبت - على الأقل - الضرورة في العلاقة السببية. لهذا رأى ان من الممكن اثبات التعميم استناداً الى اثبات الضرورة استقرائياً. لكن ما سيتضح لنا انه لا سبيل لاثبات الضرورة بالتجربة. وبالتالي فاذا كان من الممكن تبرير الضرورة في السببية العامة باعتبارها قضية أولية، فان ذلك لا يصح مع الضرورة في السببية الخاصة، حيث انها ليست من القضايا الاولية، كما انه لا يمكن اثباتها عبر التجربة. الامر الذي ينعكس أثره على التعميم في القضية الاستقرائية، حيث طالما ان هذه الضرورة لا يمكن اثباتها، فلا مجال - اذن - لاثبات التعميم او تبريره.

وقد نتساءل أخيراً أنه اذا كان هيوم قد شكك في قيمة الدليل الاستقرائي ونتائجه فكيف كان يتعامل مع الاشياء في حياته اليومية؟ فعلى سبيل المثال: اذا أراد أن يجهز لنفسه ابريقاً من الشاي، ألم يعتقد أنه سيحتاج الى استخدام الحرارة والماء وما الى ذلك من أمور؟ واذا اراد ان يرجع الى بيته فهل كان يشك في بقاء مكانه على ما تركه؟ وعلى العموم: هل كان الشك المنطقي الذي أبداه هيوم في الدليل الاستقرائي منعكساً على طريقة حياته الخاصة؟

 لنستمع الى ما يقوله فيلسوف الشك عن نفسه وهو يجيب عن مثل تلك الأسئلة: 

(لو سئلت هنا عما اذا كنت اوافق بصدق على هذه الحجة التي يبدو انني أجهد نفسي من اجل دعمها، وعما اذا كنت بحق واحداً من هؤلاء الشكاكين الذين يرون ان كل شيء غير مؤكد، وان حكمنا على أي شيء لا يتم بأي قدر من الحقيقة او البطلان؛ لأجبت ان هذا السؤال لغو في صميمه، وانني لم اكن ابداً اقول بهذا الرأي باخلاص وثبات، ولا كان اي شخص اخر يقول به. فقد حتمت علينا الطبيعة بحكم ضرورة مطلقة وقاهرة ان نصدر احكاماً مثلما نتنفس ونشعر.. أما الذي يجهد نفسه من أجل تفنيد أخطاء هذا الشك الكامل فانه في الواقع قد دخل في نزاع ليس فيه معارض) .[xxv]

بيد أنّا نتساءل: ما هي هذه الطبيعة القاهرة التي يمكنها أن تجعل أفكارنا العملية متسقة لا يشوبها خلل ولا شك؟ وعلى افتراض أنها تفعل ذلك، فهل هناك علاقة بينها وبين التفكير المنطقي المجرد الذي انتهى اليه هيوم؟ وهل كان هذا الفيلسوف يعاني عقدة من التناقض بين ما يملي عليه العقل وبين ما تضفي عليه الطبيعة من أحكام مخالفة؟

هذه تساؤلات تجعلنا ندخل الى التحليل النفسي للدليل الاستقرائي كما رسمه لنا فيلسوف الشك. فلنبحث أولاً عن الطبيعة القاهرة التي اعتبرها هيوم مصدر التفكير المنسجم مع الحياة العملية. فما هي هذه الطبيعة يا ترى؟


الاستقراء والتحليل النفسي للسببية

لم يكن أمام هيوم وهو يواجه مشكلة مستعصية غير التعويل على طريق آخر لبحث الموضوع؛ عله يجد ما يخفف عن المشكلة. فقد ترك العقل المجرد بعد ان وجده خالياً من الأدلة والمبررات، واتجه نحو (الطبيعة) وهي تعمل بتلقائية دون اكتراث بصاحبها. فقد حاول هيوم ان يلقي ضوءً على الشروط التي تقوّم فكرة السببية، واستخدم لذلك مثاله الخاص بكرة البيلياردو، اذ كثيراً ما نعبر عن حركة الاولى بانها سبب لحركة الثانية. وفي هذا المثال لاحظ وجود اقتران مكاني وتعاقب زماني بين الحادثتين، لكنهما مع ذلك لم يكفيا عنده ان يحققا ظرف السببية، فأقر بوجود شرط ثالث هو المعبر عنه ب (الضرورة) التي تجعل الحادثة الثانية واجبة الوجود حين تتحقق الحادثة الاولى.

تلك هي مقومات السببية عند هيوم الذي اعتبر الشرطين الاولين عبارة عن صفتين محسوستين بخلاف الشرط الاخير. لهذا فقد حاول ان يبحث عن مصدر صفة هذا الشرط في افكارنا، طالما ان التجربة لا يسعها الكشف عنه. فحين ننظر الى علاقة السببية بين الحرارة وتمدد الحديد يمكن ان نتحسس باقترانهما وتعاقبهما، لكنا لا نتحسس بضرورتهما، فكيف نفسر ما في أذهاننا من ضرورة تجعلنا نتصور أنه كلما قربنا الحديد من الحرارة فانه يتمدد؟

لقد بحث هيوم عن مصدر هذه الفكرة، فلاحظ أنها تقترن مع صفة أخرى نطلق عليها الاطراد او التتابع المستمر، فحيث لا يوجد اطراد، فلا ضرورة هناك، كما هو الحال مع مثال حركة كرة البيلياردو. فبهذا المفتاح أقام فيلسوفنا تفسيره لوجود الضرورة في علاقة السببية. فنحن حين نلاحظ ظاهرتين تتصفان بالاقتران والتعاقب باطراد فانه سينشأ في مخيلتنا رباط قوي بين فكرتي الظاهرتين، بحكم العادة. فلو أنه حضرت احدى الفكرتين؛ فما على الفكرة الاخرى الا أن تعقبها، وهو ما يبرر لنا كيفية الحكم على الاشياء الخارجية. اذ لو تحسسنا بوجود الظاهرة السابقة لكنا نحكم بضرورة وقوع الظاهرة الاخرى؛ نتيجة ما اعتدنا عليه من مشاهدات حسية جعلت أذهاننا مهيأة لافراز العلاقة القوية بين الفكرتين. فمثلاً في حياتنا اليومية نتحسس على الدوام بأن هناك تلازماً بين ظاهرتي النار والاحراق، وبحكم العادة تنشأ في مخيلتنا علاقة قوية بين فكرتي هاتين الظاهرتين، لكن بسبب هذه القوة فانا نضطر الى أن ننزعها على الواقع ونظن أنها خارجية، بحيث كلما لاحظنا ناراً سنحكم عليها بأنها تحرق، مع أنه من الناحية المنطقية لا دليل على ذلك، رغم ما نجده من التهيؤ الذهني الحاد الذي أطلق عليه هيوم (تداعي المعاني).

من ذلك التحليل توصل هيوم الى ان يعرّف العلة باحدى صيغتين كالاتي: (شيء سابق ومقترن بشيء آخر، حيث تقع كل الاشياء المشابهة للاول في موقع مشابه من السبق والاقتران بالنسبة للاشياء التي تشبه الاخير). او انها (شيء سابق ومقترن بشي آخر ومتحد معه، بشكل يجعل فكرة الواحد منهما يدفع العقل الى تكوين فكرة الاخر، وانطباع الواحد منهما يشكل فكرة أكثر وضوحاً عن الاخر) .[xxvi]

ومع ان هيوم يؤكد على دور العملية الذهنية في تكوين فكرة الضرورة لدى العلية[ 5 [xxvii 3] ؛ الا انه يعترف بعجزه عن تفسير هذا النشاط النفسي، فكما يقول: (ان في علاقة التداعي تناقضاً صريحاً: كيف يمكن ان يوجد مبدأ ارتباط اذا كانت ادراكاتنا منفصلة مستقلة بعضها عن بعض؟ هذه معضلة تفوق طاقة عقلي) .[xxviii]

والنتيجة التي يخرج بها هيوم من تحليله السابق هو انه لا يمانع من الناحية الواقعية ان يكون أي شيء سبباً لأي شيء آخر، او ان تحدث الاشياء من غير اسباب، وان ما يستدل به على السببية ليس العقل بشكله القبلي، بل التجربة من خلال الاحساسات المتكررة لحالة الاطراد، مما يعني ان الاحساسات القليلة لا تبعث على خلق الضرورة في مخيلتنا الذهنية بواسطة تداعي المعاني.

تلك هي فلسفة هيوم في تحليله النفسي لعلاقة السببية. وهي فلسفة تبرر قيام الدليل الاستقرائي من الناحية النفسية، وذلك بردها الى مركز العمليات اللا عقلية المسماة بالطبيعة القاهرة، وإن كانت تعجز عن تبريره منطقياً.


نقد التحليل النفسي للاستقراء


تتلخص النتائج التي توصل اليها هيوم في تحليله السابق الى هاتين النقطتين:

1 تتعلق السببية كمفهوم نفساني بكثرة ما يتحسس به الفرد من تكرار في علاقة الاقتران بين الظاهرتين المتعاقبتين، لا انها صيغة قبلية.

2 يستحيل تبرير الدليل الاستقرائي من الناحية المنطقية، وإن كان يمكن تبريره نفسياً بواسطة تداعي المعاني الناشئ عن العادة، وذلك من خلال تحليل السببية بالصورة التي فيها تُنتزع الضرورة من المخيلة النفسية لتفرض على الواقع.

وبخصوص النقطة الاولى يلاحظ انها إن استطاعت ان تفسر السببية الخاصة فانها عاجزة عن تفسير السببية العامة، فربما نحكم على حادثة معينة بالسببية وإن لم نتحسس بها الا لمرة واحدة فقط. كذلك فان الضرورة التي نشعر بها في هذه الحالة تختلف عما نشعر به في العلاقة الخاصة للسببية، فما أيسر التسليم بالحكم القائل ان النار قد لا تحرق لخلوّها من الضرورة، لكن ما أعسر الحكم الذي ينفي مطلق السبب عن حدوث زلزلال لم يسبق أن خبرناه من قبل؟ هكذا فمن أين حصلنا على هذه الضرورة في الحوادث الفريدة؟ وكيف نفسر عليها تداعي المعاني اذا كنّا لم نتحسس بالسبب اطلاقاً؟

على ان تفسير (الضرورة) بواسطة تداعي المعاني يقتضي الاقرار بدءاً بالسببية. اذ لم يكتفِ هيوم بالاعتراف بالضرورة النفسية وانما سعى ليبحث عن سبب وجودها. الامر الذي اوقعه بالدور، ذلك انه يفسر السببية من خلال التداعي في الوقت الذي يجعل العلاقة بين التداعي والضرورة النفسية هي علاقة قائمة على السببية. أي حيث هناك تداعي معاني فهناك ضرورة، وهذا الاقتران والتعاقب بين الظاهرتين النفسيتين باطراد هو ذات البند الذي اعتبره هيوم شرطاً لتحقق ما نحسبه سببية في الواقع الموضوعي، أي ان الظاهرتين النفسيتين يخضعان الى حكم السببية، مما يتولد عن ذلك الدور والتسلسل.

كما ان رغبة هيوم لمعرفة سبب اتخاذ العملية النفسية لاسلوب التداعي بدلاً عن اسلوب الانفصال بين الافكار؛ انما هو دليل اخر على ما في قرارة نفسه من ايمان بالضرورة السببية، بحيث لم يحتمل قط ان تكون العلاقة بينهما صدفة مطلقة.

وعلى العموم ان التفسير النفسي لهيوم ناجح الى الحد الذي فيه اقرار لما تتأثر به مخيلتنا من تصورات انطباعية قد تفرضها على الواقع الموضوعي، لكن ذلك يختلف عما يراد تفسيره منطقياً. لهذا نجد في العلاقة الخاصة للسببية أن الانطباع الحسي المتكرر يمكنه أن يؤثر على المخيلة كحالة نفسية تفسرها نظرية تداعي المعاني، أما من الناحية المنطقية فلا تفسير لذلك سوى الارتكاز الى قوانين الاحتمال وحساباته، بدلالة ان أي خطأ ملحوظ يحدث في التجربة يفضي الى تغيير طبيعة الحكم المنطقي، رغم بقاء الاثر النفسي الذي يمكن أن يؤدي اليه التداعي.

فعلى سبيل المثال - وكما يقول المفكر الصدر -: (نفرض أن انساناً حاول أن يجرب أثر استعمال مادة معينة على المصابين بالصداع، فلاحظ ان استعمال تلك المادة في أشخاص كثيرين قد اقترن بظاهرة معينة، فسوف يستنتج أن تلك المادة سبب لهذه الظاهرة. ومرد الاستنتاج - في رأي هيوم - الى العادة الذهنية. ولنفرض ان الممارس للتجربة قد كشف، بعد ذلك، ان شريكه - االذي قدم اليه مرضاه المصابين بالصداع الذين أجرى تجاربه عليهم - كان يتعمد اختيار المريض الذي تتوفر فيه الظروف التي تؤدي الى وجود تلك الظاهرة، لكي يضلل الممارس للتجربة في اكتشافه، فمن الطبيعي ان يزول اعتقاد الممارس بالعملية بعد هذا الاكتشاف، فلا يتوقع وجود الظاهرة في شخص بسبب استعماله لتلك المادة).[xxix]

أما فيما يخص النقطة الثانية، فالملاحظ ان هيوم قد جعل من الدليل الاستقرائي حالة نفسية دون ان يكون له اثر منطقي. ونحن وان كنّا لا نمنع الاثر النفسي الذي يبلغه الخيال في الاحكام الاستقرائية، لكن ذلك لا يحيل من وجود منطق خاص يقوم عليه الاستقراء، وهو منطق الاحتمال الذي لم يقتنع به هذا الفيلسوف.

***

وبخصوص موقف المفكر الصدر، يلاحظ ان هناك عدة اعتراضات موجهة الى مذهب هيوم، بعضها لا علاقة له ببحثنا؛ كمناقشته لخصوص ما يعنيه بالاعتقاد والاحتمال[ xxx ]. أما البعض الآخر فمنه ما يتعلق بنقد التفسير النفسي واستبداله بالتفسير القائم طبقاً للاحتمال؛ كما مرت علينا بعض النصوص الدالة عليه[ xxxi ]، وكذلك فان منه ما يكشف عن كون المفاهيم الخاصة بهيوم تفضي بمنع اقامة أي حالة من حالات التنبؤ الاستقرائي[ xxxii ]، وهو ما يتفق عليه هذا الفيلسوف من دون معارضة. اضافة الى ذلك فان هناك نقداً آخر يكشف عن ان هيوم قد استخدم الدليل الاستقرائي دون ان يشعر، فهو حين يفسّر منشأ الافكار ويردها جميعاً الى الانطباعات الحسية؛ يصل الى نتيجة عامة تقر بأن كل فكرة لابد ان تنشأ عن نوع من الانطباع، وقد طبق هذه النتيجة العامة على فكرة السببية التي لم يجد لها انطباعاً حسياً واعتبرها كغيرها من الافكار الناشئة من الانطباعات. وهو بهذا استنبط حكمه من التعميم السابق بشكل غير مشروع.[xxxiii] وكذا نفس الحال بالنسبة الى تعميمه القائل ان كل انطباع هو اقوى من الفكرة التي تنبعث عنه.


هيوم بين الطبيعة والعقل


لقد أدرك هيوم المأزق الحاد الذي وصل اليه في تفسيره للمعرفة بشكل عام، حيث وقع ضحية طرفين متناقضين يتنافسان عليه، فوقف وقفة المتردد الحائر بين ما تضفيه عليه أفكاره وتأملاته، وبين ما تجذبه اليه الطبيعة من التفكير العادي كبقية الناس، او التعامل كما تريد له الطبيعة أن يتعامل. وكأنه في ذلك يقف بين الجنة والنار؛ بين ما تفيض عليه الطبيعة من ثقة وحنان، وبين ما يهدم له العقل من تفكير.

ولعل من المفيد أن أنقل نص هيوم وهو يعبّر عن المأزق المأساوي الذي عاشه فكتب يقول: (ولكن ماذا تراني أقول هنا؟ بأن التأملات الراقية جداً والميتافيزيقية لا تؤثر فينا؟ من الصعب عليّ أن لا أتراجع عن هذا الرأي وأرفضه حين أنظر الى شعوري وتجربتي الحاضرين. إن مظهر هذه النواقص والتناقضات الحادة والمتعددة الوجوه في العقل الانساني قد أثّر بي كثيراً، وشوش عقلي لدرجة أصبحتُ معها مستعداً لرفض أي اعتقاد واستدلال، ولا أستطيع القبول بأي رأي على أنه اكثر احتمالاً من غيره. أين أنا وما أنا؟ ما هي العلة التي أشتق وجودي منها؟ والى أي شرط يجب ان أعود؟ وحظوة من يجب ان ألتمس، وغضب من يجب ان أرهب؟ وما هي المخلوقات التي تحيط بي؟ على من استطيع التأثير؟ ومن يستطيع التأثير علي؟ لقد اربكتني كل هذه الاسئلة، وبدأت اتخيل نفسي في اكثر الحالات يأساً، محاطاً بأحلك الظلمات، وقد فقدت القدرة على استعمال أية ملكة او عضو. ولكن من حسن الحظ انه في حين يعجز العقل عن تبديد هذه الغيوم، تكفي الطبيعة نفسها لهذا الغرض وتشفيني من الكآبة والهذيان الفلسفي؛ إما باسترخاء هذا الميل العقلي او بتذكر ما، وانطباع مشرق للحواس يمحو كل هذه الاوهام. وهكذا اتناول طعامي، والعب بالنرد، واتحادث مع الاخرين واصرح مع اصدقائي، ثم بعد ثلاث او اربع ساعات من اللهو ارجع الى هذه التأملات فأجدها قاحلة وسخيفة ولا أجد أية رغبة في نفسي للخوض فيها ثانية. وهكذا أجدني عازماً عزماً تاماً على الحياة والتكلم والتصرف كجميع الناس في حياتهم اليومية، ولكن على الرغم من ان ميلي الطبيعي وانفعالاتي الحيوانية تهبط الى هذا القبول الخامل للمبادئ العامة في العالم؛ فأنا ما زلت اشعر ببقاء شيء من حالتي السابقة يجعلني ارغب في إلقاء جميع كتبي واوراقي في النار واقرر ان لا انبذ ملذات الحياة ابداً في سبيل التأمل والفلسفة؛ لأن هذا هو شعوري في ذلك المزاج الذي يسيطر علي الان، ربما استسلم، لا بل عليّ ان استسلم لتيار الطبيعة فأسلم امري لحواسي وفكري. وبهذا الاستسلام الاعمى اظهر بصورة تامة مبادئي ووضعي الريبيين. ولكن هل يعني هذا بانه يجب عليّ ان اناضل ضد تيار الطبيعة الذي يقودني الى الخمول والملذات؟ وان عليّ ان انزوي الى درجة ما بعيداً عن معاملات الناس ومجتمعهم الذين يمداني بالمسرات؟ وأن عليّ ان اعذّب عقلي بدقائق وفلسفات في الوقت الذي لا استطيع فيه اقناع نفسي بمنطقية هذا العمل الشاق، ودون ان يكون لي أمل في الوصول بوساطته الى الحقيقة واليقين؟ ما هو الواجب الذي يجعلني أسيء استعمال وقتي بهذا الشكل؟ وما الغاية التي تخدمها، سواء كان لمصلحة الانسانية جمعاء أو لمصلحتي الشخصية؟ كلا إذا كنت سأتصرف أحمقاً مثل جميع أولئك الذين يفكرون أو يعتقدون بوجود أي شيء عن يقين فان حماقاتي ستكون طبيعية وسارة. وحين أناضل ضد ميولي فسيكون لي سبب مقبول لمقاومتي. ولن أُقاد تائهاً في قفار موحشة، وممرات وعرة كالتي سرت فيها حتى الان..) .[xxxiv]

المصادر

i] ] مختار رسائل جابر بن حيان، تصحيح كراوس، مكتبة الخانجي، 1354 ه، ص 419 . 421

ii] ] زكي نجيب محمود: ديفيد هيوم، دار المعارف، 1958 م، ص. 13

[iii] I. Hacking, The Emergency of Probability, Cambridge University

Press, 1975, p.31. And see also: J. Katz, The Problem of Induction and

its Solution, The University of Chicago Press, Chicago, 1962, p.17.

iv] ] وعلى رأي ستوف انه لم يخالف هيوم احد من الفلاسفة على المأزق الذي طرحه طيلة مائتين

وخمسين سنة .( (Stove; p.14

[v] Katz; p.45.

http://fahmaldin.com/index.php?id=24 18

موقع فهم الدين - يحيى محمد - ديفيد هيوم ومشكلة الاستقراء

[vi] C. Wesley Salmon, ‘The Concept of Inductive Evidence’, in:

Swinburne, Intruduction; The Justification of Induction, Oxford

University Press, 1974, p.49.

[vii] Katz; p.99. .

[viii] L. Jonathan Cohen, An Introduction to the Philosophy of Induction

176 and Probability, Oxford University Press, New York, 1989, p. . 177

.

[ix] Katz; p.43. .

[x] Stove; p.8.

xi] ] برتراند رسل: حكمة الغرب، ترجمة فؤاد زكريا، سلسلة عالم المعرفة، عدد 72 ))، 1983 م،

ج 2 ، ص. 219

[xii] Richard Swinburne, Introduction; The Justification of Induction.

edited by Swinburne, Oxford University Press, 1974, p.13. .

[xiii] Madden, ‘Introduction; The Riddle of Induction’, in: The Structure

of Scientific Thought, Great Britian, 1968, p.288 . 289

xiv] ] عصر التنوير، ص 243 . 244 كذلك:

John Hospers, An Introduction to Philosophical Analysis, 3rd. ed.

London, p.199. .

[xv] Stove; p.8.

xvi] ] ديفيد هيوم، ص 79 . 80

xvii] ] فرّق هيوم بين الاحتمال المنطقي والاحتمال التخميني من خلال مثال عرض فيه علة

ترجيحنا للعدد المكرر على اربعة جوانب دون العدد المكرر مرتين في قطعة زهر خاصة؛ فاعتبر

الحكم المنطقي يقضي بتساوي الاحتمالات في الجوانب الستة جميعاً، لكن الحكم الذي رجح

العدد الاول يرجع الى تبرير نفسي، اذ على رأيه ان الخيال حين يمر على الجوانب الستة مراً

سريعاً؛ يجعل الصورة الذهنية للعدد المكرر اربع مرات اوضح وانصع من الصورة الذهنية للعدد

الاخر المكرر مرتين، وذلك بسبب فارق الزيادة للانطباع الحسي (ديفيد هيوم ص 80 .( 81

xviii] ] عصر التنوير، ص. 240 كذلك: ديفيد هيوم، ص 71 72 و. 86

xix] ] نشأة الفلسفة العلمية، ص. 85

xx] ] عصر التنوير، ص. 239

Cohen; 1989; p.178 [xxi] . 179 .

xxii] ] لاحظ، ص 111 و. 114

xxiii] ] لاحظ، ص 78 . 79

xxiv] ] ما يبدو في هذا النص انه يناسب اثبات السببية الخاصة دون العامة، وذلك لتضمنه القول

بعجز التفكير العقلي المحض عن اثبات العلية او نفيها، ولو كان المراد منه السببية العامة لما

صحّ هذا الكلام، كما ان مناسبة ذكره اقترنت بمناقشة هيوم حول السببية الخاصة، لكن في جميع

الاحوال ان مفاد النص ينطبق على كلا السببيتين (لاحظ، ص.( 117

xxv] ] حكمة الغرب، ج 2 ، ص 140 . 141

xxvi] ] عصر التنوير، ص. 275

xxvii] ] اصبح من المعروف ان تحليل هيوم يشابه الى حد كبير ما نصّ عليه الغزالي في تفسيره

لعلاقة السببية الخاصة؛ رغم ما بينهما من اختلاف مذهبي كبير. فمثلاً يقول الغزالي: (الاقتران

بين ما يعتقد في العادة سبباً ليس ضرورياً عندنا، بل كل شيئين، ليس هذا ذاك، ولا ذاك هذا،

ولا اثبات احدهما متضمناً لاثبات الاخر، ولا نفيه متضمناً لنفي الاخر، فليس من ضرورة وجود

احدهما وجود الاخر، ولا من ضرورة عدم احدهما عدم الاخر، مثل الري والشرب، والشبع

والاكل، والاحتراق ولقاء النار، والنور وطلوع الشمس، والموت وجز الرقبة، والشفاء وشرب

الدواء، واسهال البطن واستعمال المسهل.. الخ)(الغزالي: تهافت الفلاسفة، تحقيق سليمان دنيا،

دار المعارف، الطبعة الخامسة، ص.( 239

xxviii] ] يوسف كرم: الطبيعة وما بعد الطبيعة، دار المعارف بمصر، ص. 121

xxix] ] لاحظ، ص. 123

xxx] ] لاحظ، ص 103 109 و 124 . 126

xxxi] ] لاحظ، ص 22 . 124

xxxii] ] لاحظ، ص 120 . 122

xxxiii] ] لاحظ، ص 118 . 119

xxxiv] ] عصر التنوير، ص 325 . 327

الإسلام الطقوسي والاقتصاد

بسم الله الرحمن الرحيم يعيش اليوم الإسلام الطقوسي مرحلة حرجة تقوده باختصار لاختراع الاحكام الشرعية اختراعاً عن طريق استقطاع النصوص وال...