الجمعة، 28 أغسطس 2015

أحاديث تخالف العقل.. نظرة تحليلية.

بسم الله الرحمن الرحيم

إن من أكبر المشاكل الفكرية التي تواجه الأشخاص المؤمنين بالمنهج المادي والتجريبي هي صحة الأحاديث التي تخالف العقل، أو بمعنى آخر تخالف الحس والدارج. وطبعاً هناك أحاديث تخالف القلب والوجدان والذوق الدارج (مثل قضايا العبيد والإماء).

ولهذا إن اعتبرنا تجاوزاً أن الأحاديث التي تخالف المعتاد من الأمور والقوانين الطبيعية، هي أحاديث تخالف العقل بالمحصلة، سيكون لدينا معيار جيد لتحليل القضية والنظر إليها من زاوية معينة.

قراءة ممتعة


يقوم العقل الديني على مصادرة فكرية: ما يخالف الدارج أو المعروف لا يعني أن لا دليل عليه. لكن هذه القضية برأيي يمكن أن تصح في المسائل الغيبية لا في المسائل التي تحتمل الاختبار وفق قوانين العالم المادي. واليوم سنقف على مثالين ليوضحان التحليل الذي أرومه.

لكن قبل أن أبدأ تحليلي يجب أن أوضح الفرضية التي تقوم عليها هذه المقالة. الفرضية تقول: إن الحديث الصحيح يمتاز بصفة قطعية الثبوت عن النبي، وبالتالي فهو وصل لنا بطريقة دقيقة جداً ويمكن اعتماده. 

المثال الأول:

ثبت في الخبر الصحيح أن الأرض لا تأكله من الأجساد هم أجساد الأنبياء، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة فيه خلق آدم عليه السلام، وفيه قبض وفيه النفخة وفيه الصعقة، فأكثروا علي من الصلاة فإن صلاتكم معروضة علي، قالوا: يا رسول الله وكيف تعرض صلاتنا عليك وقد أرمت، أي يقولون: قد بليت، قال: إن الله عز وجل قد حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء عليهم السلام. رواه النسائي وأبو داود وابن ماجه.

هذا الحديث صحيح، وبالتالي وحسب الأساس الذي تبنيناه هو قطعي الثبوت. 

ننتقل للجزء المخالف للعقل: عدم تآكل جسد الأنبياء في القبر. 

وفق المنطق المادي يجب اختبار هذه النظرية عن طريق فتح قبور الأنبياء المعروفين بما فيها قبر النبي (ص) للتأكد. إن تم فتح القبر ووجِد الجسد كما هو، فالحديث صادق وإن خالف العقل. ولكن إن لم يتم التأكد من مطابقة الحديث للواقع؟ سيكون لدينا مشكلة هنا، فإما التشكيك بالنبي، وإما تأويل حديثه. والتأويل يمكن أن نستخدمه في حال تم فتح القبر ولم يستطع أحد إيجاد أي جسد. وإلا فلا سبيل إلا تكذيب النبي، وهذا يقود لتكذيب حديث صحيح بلا شك. نعم إنها مشكلة. 

والآن سأعرض مثالاً يوضح كيفية اللجوء للتأويل لمخالفة النص للعقل.. حديث سجود الشمس. 

رواه البخاري رحمه الله في بدء الخلق ‏عن ‏أبي ذر رضي الله عنه قال: قال النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏لأبي ذر ‏ ‏حين غربت الشمس ‏ ‏أتدري أين تذهب قلت الله ورسوله أعلم قال فإنها تذهب حتى تسجد تحت العرش فتستأذن فيؤذن لها ويوشك أن تسجد فلا يقبل منها وتستأذن فلا يؤذن لها يقال لها ارجعي من حيث جئت فتطلع من مغربها فذلك قوله تعالى والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقديرالعزيز العليم.

وطبعاً هذا الحديث صحيح وتم التغلب على مشكلة مخالفة النص بالتأويل.. وسأنقل لكم من رابط كم التأويل للعلم فقط.

واعلم أن الغرض من هذا البحث ليس إثبات صحة الحديث فهو صحيح بلا ريب ، وإنما الغرض نفي الامتناع ، أي امتناع حصول سجود الشمس واستئذانها مع كون الناس لا يستنكرون من أمر سيرها وجريها شيئا. أما من يرمي جاهداً إلى إثبات الامتناع فيلزمه – قبل أن يمشي خطوة واحدة - الإحاطة بحقائق ثلاث أمور عليها يدور معنى الحديث فإذا أحاط بحقائقها وتيقن من ذلك حق اليقين فليأتنا بالدليل القاطع على ما حصلّه من علم (وما أظنه قادر على ذلك) وهذه الحقائق هي :

1- حقيقة العرش.
2- حقيقة حركة الشمس.
3- حقيقة سجود الشمس.


والبحث يمتد ويمتد حتى يقول: 

والخلاصة أن سجود الشمس على المعنى الذي ذكرناه غير ممتنع أبدا ولا يخالف الحديث صريح العقل إنما قد يخالف ما اعتاد عليه العقل ومألوفه وهذا ليس معياراً تقاس به الممكنات الكونية فضلاً عن الممكنات الشرعية لأن الله على كل شيء قدير ولأن المألوفات نسبية باعتبار منشأ الناس واختلاف عقولهم وعلومهم. والسامع مثلاً لما تخرج به فيزياء الكم من العجائب والأسرار كمبدأ اللاحتمية لهايزنبرج وتجربة شرودنجر ونظرية العوالم المتناظرة وغيرها من الظواهر المحيرة للعقول – وإن كان هذا ليس موضع تفنيدها - يوقن بأن لله حكم بالغة يطلع من يشاء عليها ويستأثر بما يشاء عنده، قال تعالى:"ويخلق ما لا تعلمون" ، وقال تعالى:"والله يعلم وأنتم لا تعلمون" ، وقال:"وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً" . والإنسان الأصل فيه الضعف والجهل ، قال تعالى:"وخلق الإنسان ضعيفا" وقال في آية الأحزاب:"إنه كان ظلوما جهولا" ولذلك فابن آدم يسعى على الدوام لدفع ذلك عن نفسه بطلب ضديهما وهما القوة والعلم ، فإن انكشف له بموجب ذلك شيء فهذا بتوفيق الله وما استغلق و خفي ودق فلله الأمر من قبل ومن بعد. وكما قدمنا فإن سجود الشمس لا يستلزم توقفها ووقوفاً يحصل بسببه استنكار الناس و هو اللبس الذي أزاله صلى الله عليه وسلم بقوله:" فتصبح طالعة من مطلعها ثم ‏ ‏تجري لا يستنكر الناس منها شيئا" وحرف "الفاء" في قوله "فتصبح" للتعقيب الذي بدوره يفيد معنى السرعة ومن لوازم السرعة تقلص الوقت وضآلته فيكون سجودها حاصل في وقت قصير للغاية ولو في جزء من الثانية يضمحل في فرق الثمان دقائق الذي تستغرقه رحلة الضوء من الشمس إلى الأرض ، والثمان دقائق عبارة عن 480 ثانية فهل يمتنع حصول سجود من الشمس في هذه الفترة ؟ بل إن سجودنا في جميع الصلوات الخمس لا يبلغ مجموع فترته 180 ثانية في غالب الأحوال مع أنه يصح أن يحصل فعل السجود بإيقاع سجدة واحدة ويسمى فاعلها ساجداً ولو لم يسجد إلا بتسبيحة واحدة صح أن يسمى سجوداً عند الحنابلة ، بل حتى ولو لم يطمئن في سجوده ذلك لصح أن يسمى سجودا وفاقاً للحنفية. 


وهكذا حتى أقوم بتلخيص الفكرة، أضع بين يديكم هذه الصورة حتى تفهمون قصدي بشكل مختصر.



ودمتم في رعاية الله.