الجمعة، 21 فبراير 2014

نافذة على الفلسفة - الدرس الحادي عشر

الدرس الحادي عشر

العليّة

(العلّة والمعلول) (3)


(96)


ومفاد هذه القاعدة أن للعلل معاليل تناسبها وتسانخها، كما أن للمعلولات عللاً تناسبها وتسانخها، فلا تصلح كل علة لكل معلول ولا يصلح كل معلول لكل علة، فالحرارة لا تصدر عن الثلج، والبرودة لا تنبعث من الحرارة، والجاهل لا يكون مصدراً للعلم كما أن العلم لا يصدر عن جاهل، لأن فاقد الشيء لا يعطيه، والعطاء لا يصدر من لا شيء، وبذلك يتضح بداهة قاعدة التناسب والسنخية بين العلة والمعلول.

وبفضل هذه القاعدة يمكن تعميم القوانين العلمية في مختلف حقول المعرفة الإنسانية، فكل حكم يستحيل تعميمه كقانون علمي شامل لجميع موارده المفترضة إلا بالاعتماد على قاعدة السنخية والتناسب بين العلة والمعلول،(1) لأنّ مفادها: أن كل مجموعة من الأشياء إذا كانت متفقة في حقيقتها، يلزم انسجامها في أسبابها ونتائجها وعللها ومعلولاتها.

(فعلى ضوء قانون التناسب نستطيع ـ مثلاً ـ أن نعمم ظاهرة الإشعاع المنبثق عن ذرة الراديوم لجميع ذرات الراديوم، فنقول؛ ما دامت جميع ذرات هذا العنصر متفقة في الحقيقة فيجب أن تتفق في أسبابها ونتائجها). (2)
 

1 ـ وهو قانون عقلي كما تقدمت الإشارة إليه في الدرس الثاني.
2 ـ محمد باقر الصدر، فلسفتنا، ص 263، المجمع العلمي للشهيد الصدر قدس‏ سره، محرم الحرام 1418 ه ق.
 
(97)


وبناءً على قاعدة السنخية بين العلة والمعلول، تتفرع قاعدة الواحد والتي تفيد أن «الواحد لا يصدر عنه إلا الواحد»، وأن «الواحد لا يصدر إلا عن واحد»، ومن أجل التوضيح نقول: إذا كانت العلة ذات خاصية واحدة، فلا يمكن أن يكون معلولها ذا خاصّتين أو أكثر، كما أن المعلول إذا كان واحداً في خاصّته فإنه يستحيل صدوره عن عللٍ تامّةٍ كثيرةٍ، إذ لو كان لكل علة من العلل المتعددة في خواصها أثر في معلولها لبان وظهر أثرها، ولكان في المعلول آثارٌ وخواص متعدّدة بعدد العلل المؤثّرة فيه، لا أثر واحد وخاصة واحدة، والحال أن المعلول حسب الفرض لا يتضمن إلا أثراً وخاصة واحدة. فإن وجود أثر واحدٍ في المعلول يُنبئ عن وجود مؤثر واحد من مجموع المؤثرات لا جميعها، فلم يكن لبقية العلل والمؤثرات دور وتأثير في إيجادِ آثارها في المعلول، إذ لو كان لبان.


وقد تقول: إن تعدد العلل وتواردها على معلول واحد مألوف في حياتنا اليومية، كما لو شاهدنا مجموعة من الأفراد يدفعون حافلة وعلى أثر ذلك فإنها تتحرك باتجاه دفعهم لها، وهو مما يؤكد اجتماع علل كثيرة على معلول واحد وهو حركة الحافلة، والصحيح هو أن العلل التي اجتمعت لتحريك الحافلة لم تكن مستقلة وتامة في إيجاد المعلول، بل إنها علل ناقصة يكون مجموعها بمثابة العلة التامة الواحدة وهذا هو ما تعنيه قاعدة الواحد بصيغتيها آنفتي الذكر.


1 ـ ماذا تعني السنخية والتناسب بين العلة والمعلول؟ وضّح جوابك بمثال.
2 ـ اشرح ما يلي:
«وبفضل قاعدة التناسب بين العلة والمعلول يمكن تعميم القوانين العلمية في مختلف حقول المعرفة الإنسانية».
3 ـ بيِّن قاعدة الواحد بكلا فرضيها. معززاً بيانك بمثال توضيحي.
4 ـ ما هو ردّك على قول القائل؛ إن العلل وإن تعددت فإنها يمكن أن تترك أثراً واحداً والشاهد على ذلك ما نراه في حياتنا اليومية كدفع جماعة لحافلة، فإن العلل كثيرة والأثر واحد.