بسم الله الرحمن الرحيم
قرأت في صفحة الدكتور "محمد باسل الطائي" على الفيسبوك المنشور التالي:
يتحدث بعض الفيزيائيين (منهم على سبيل المثال بول ديفز وستيفن هوكنج) عن قوانين الطبيعة وهم يقصدون قوانين الفيزياء. والحق ان هنالك فرق مهم بين الحالين ففي الوقت الذي تعبر فيه قوانين الطبيعة عن الصفات والظواهر الطبيعية فان قوانين الفيزياء تعبر عن وصفنا نحن وتفسيراتنا نحن لتلك الظواهر الطبيعية. وعلى حين ان الظواهر الطبيعية ثابتة فإن وصفنا لها يتغير بحسب تطور المعرفة العلمية. فالجاذبية في الوصف النتيوتني هي غير الجاذبية في الوصف عند آينشتاين، في المفاهيم وفي المقادير. لذلك ينبغي على القراء ان ينتبهوا الى هذه الحقيقة ولا ينخدعوا بعبارات كتلك التي نقرأها في كتب من ذكرتهم والتي تقول: ان قوانين الفيزياء قادرة على تفسير وجود الكون بدون الحاجة الى فرضية وجود خالق. فهذا كلام غير صحيح علميا وينطوي على خدعة او سوء فهم.
فأحببت أن أدلي بدلوي تعزيزاً للجهد المبارك في توضيح المفاهيم التي يُدلّس عليها كثيراً في المواقف العلمية والنقاشات الفكرية
قراءة شيّقة
في البدء أحب أن أوضح أن هذه المقالة ليس الهدف منها هنا إظهار المشاكل الفكرية ولا التحدي، بل هي تهدف للتأسيس السليم القائم على الفهم المنطقي المتناسق المدرك لمحدودية العلم وكيفية سيره. ولا أبالغ إن قلت أن العِلم أمسى بضاعة ينتشر منها الأصناف المقلدة بجودة رديئة تحت مسميات كثيرة سواءً أكانت دينية أم إلحادية، وهذا مما يثير حفيظتي بشدة كوني رجل علم بالمقام الأول وممن يشتغلون به ويتعمقون في جانب يسير من جوانبه العظيمة المختلفة. اليوم سنقوم بتعريف مفهومين قد يبدوان للوهلة الأولى "متناظرين" بينما أحدهما هو نتيجة للآخر وليس مساوياً له، هذان المفهومان هما: قانون الطبيعة، و القانون الفيزيائي.
أولاً: قانون الطبيعة
وله تعريفان فلسفيان:
1- حقيقة تجريبية ذات شمولية كبيرة، وهي تُصوَّر كضرورة فيزيائية (ولكن ليس ضرورة منطقية)، وبالتالي فهي تسمح بالشروط المغايرة. والشرط المغاير هو جملة شرطية تحدد ما سيحدث في حالة إن كان النصف الأول من الفرضيات المقترحة صحيحاً أو غير صحيح.
2- نظام أخلاقي يتم تصويره على أنه مبني على المنطق.
بالطبع التعريف الثاني لا يهمنا حيث مجالنا هو التعريف الأول. ولمن يحب الاستزادة يستطيع مراجعة الرابط التالي:
ثانيأ: القانون الفيزيائي
خاصية لظاهرة فيزيائية، أو علاقة بين الكميات أو الخواص المتنوعة والتي يمكن استخدامها لوصف الظاهرة، ويتم تطبيقها على فئة واسعة من الأفراد في تلك الظاهرة بلا استثناء.
وبالتالي فالقانون الفيزيائي هو وصف للقانون الطبيعي وليس العكس. القوانين وصف لعلاقة وليست هي العلاقة بكل تأكيد. كل قانون فيزيائي يقوم على بعض المسلمات والفرضيات مما تجعله محدوداً بحدود تلك الفرضيات. ولا جرم إن قلنا أن جودة كل نظرية بجودة فرضياتها.
كل ما سبق كان منقولاً، والآن سأبدأ بإبداء رأيي. هل هناك حقيقة قوانين طبيعية "ثابتة"؟ بمعنى آخر هل القانون الطبيعي يتسم بالثبات والإطلاق؟ الجواب "لا". نعم إن هذه الإجابة ستكون مدمرة لبعض المؤمنين الذين يستشهدون ببرهان النظم ولكني سأقول لهم ببساطة اقرأوا معي كلام المختص:
كل ما سبق كان منقولاً، والآن سأبدأ بإبداء رأيي. هل هناك حقيقة قوانين طبيعية "ثابتة"؟ بمعنى آخر هل القانون الطبيعي يتسم بالثبات والإطلاق؟ الجواب "لا". نعم إن هذه الإجابة ستكون مدمرة لبعض المؤمنين الذين يستشهدون ببرهان النظم ولكني سأقول لهم ببساطة اقرأوا معي كلام المختص:
WHAT do we mean by “the laws of nature”? The phrase evokes a set of divine and unchanging rules that transcend the “here and now” to apply everywhere and at all times in the universe. The reality is not so grand. When we refer to the laws of nature, what we are really talking about is a particular set of ideas that are striking in their simplicity, that appear to be universal and have been verified by experiment. It is thus human beings who declare that a scientific theory is a law of nature – and human beings are quite often wrong.
الترجمة: ماذا نعني بقولنا "قوانين الطبيعة"؟ هذه الجملة تفرض مجموعة من القوانين الإلهية غير المتغيرة والتي تتعالى عن "الزمان والمكان" فيتم تطبيقها في كل مكان وزمان في الكون. الحقيقة ليست بتلك العظمة. عندما نشير إلى قوانين الطبيعة، فنحن في الواقع نتكلم عن مجموعة محددة من الأفكار الصادمة في بساطتها، والتي تبدو شاملة "كونية" وتم اثباتها تجريبياً. البشر هم من يعلنون أن النظرية العلمية عبارة عن قانون طبيعي - والبشر غالباً ما يخطؤون.
ماذا نستفيد من الكلام أعلاه؟ هل نفقد الثقة بالعلم؟ هل نفقد الثقة بوجود قانون؟ هل نفقد الثقة بالإيمان ووجود الله؟ أعزائي أحب أن أقول لكم أن هذه الأمور كلها عبارة عن قفزات فكرية لا يجب أن نقوم بها إلا بعد التيقن الكلي من صحة الموقف والقدرة على الدفاع عنه. وسأجيب عن نقطة تلو الأخرى حتى لا نبقي ثغرة لمدعي العلم ولمن يحاولون طعن الإيمان.
هل نفقد الثقة بالعلم؟
الجواب: طبعاً لا. نحن كنا لا نعلم وأمسينا نعلم، وبنفس النسبة، فنحن لا نعلم الآن، وسنعلم أكثر غداً. فالعلم يتطور ويتقدم وبالتالي فالأسس قد تتغير هي أيضاً أو تتطور على الأقل.
هل نفقد الثقة بوجود قانون؟
الجواب: طبعاً لا. ولكن يجب أن لا نقول بوجود قانون مُطلق وأزلي وواضح إلا إن كان قانوناً عقلياً لا أكثر. فالقوانين الفيزيائية هي قوانين مبنية على تجارب "محلية" أي تجارب تمت بظروف مختلفة في بيئة محددة أصلاً وبالتالي فإن التسليم بإطلاق هذه النتائج عبارة عن قفزة فكرية لا يُحمَد عُقباها، بل إن شئت سمّها بالإيمان!
هل نفقد الثقة بالإيمان ووجود الله؟
الجواب: طبعاً لا. إن وجود الله قائم على السببية والتي هي ليست قانون فيزيائي بل قانون عقلي بحت استنتجناه بالبديهة بل ونستخدمه حتى قبل أن نعرف العلوم. ثم أن الإيمان أصلاً لا يقوم على أسس تجريبية حتى نرفضه! فلا أرى أي تشابه بين القضيتين!
ويقول كاتب المقال الذي ترجمت لكم منه الفقرة أعلاه أيضاً، أن الثوابت الكونية من مثل fine-structure constant يمكن أن تتغير مع الزمن، وبل مع المكان أيضاً. وأن هذه الثوابت صالحة في الحيز الذي نحن فيه من الكون، أي في النطاق الذي يسمح بالحياة الإنسانية. وهذا كله يدعم حقيقة أن القوانين ربما تكون محلية وليست مطلقة! وفي الروابط في الأسفل من المجلات العلمية نجد هذه المقالات التي تدعم كلامي.
النقاش أعلاه لا يُفنّد برهان النظم ولا يمسه أبداً، ولكنه يجعلنا أكثر انفتاحاً للاحتمالات الجديدة وأكثر إدراكاً لعظمة الخالق ومحدودية المخلوق. وبنفس الوقت لا نقول أن فهمنا تغير فقط، بل أن فهمنا يجب أن يكون "محلياً" بالضرورة لا يمكننا إطلاقه أبداً.
والحمد لله رب العالمين.