الجمعة، 31 يناير 2014

الحقيقة المطلقة، وهم أم ماذا؟

بسم الله الرحمن الرحيم

خلاصة كلامي اليوم:
نسبية الأفهام لا يعني نسبية الحقيقة
ففهمنا ما يتغير وليس الحقيقة

قراءة ممتعة


يخلط الملحد خلطاً شنيعاً بين الحق والحقيقة، فهو يزعم أن المؤمن يدعي امتلاك الحقيقة بينما المؤمن يوقن بأن الحق معه.. لماذا نحن المؤمنون على حق؟ كلمة على حق هنا لا أقصد بها الدين الصحيح ولا المذهب الصحيح ولا الإله الصحيح، بل نحن ننطلق من كثير من الأسس العلمية والعملية والفكرية وكلها ستقودنا إلى نتائج بسيطة وواضحة، أولها وجود خالق للكون، وآخرها وجود الأنبياء. هذه حقائق وفيها الحق، وليس العكس. أي فرضية عكس هذه الفرضية ستقودك مباشرة للعدمية والسفسطة، فأن كنت من هواتها فليكن، عندها سيكون العدم هو الحقيقة والعبث هو الأصل. 

نعود، فما هي الحقيقة؟
هل الحقيقة هي الحق؟ هل هي ما نعرف؟ هل هي ما نشعر؟ هل هي ما نحب؟ هل هي ما يشعرنا بالسعادة؟
هل الحقيقة ذاتية أم خارجية؟ هل اتفاق الناس على لون الزهرة الأحمر، يدل على أن الجميع يرى اللون الأحمر بنفس الدرجة، أنت رأيت اللون الأحمر وسألت مليون شخص فقال لك أن هذا اللون الأحمر، ولكن هل مر عليك من هو مصاب بعمى الألوان فلا يرى الأحمر؟ 
هل عدم رؤيته للون الأحمر يؤثر على الحقيقة؟ برأي الملحد سيجعلها نسبية لا أكثر. الصورة في الأسفل تظهر اختبار عمى الألوان.



في الحقيقة أنا لم أجد مصطلحاً فضفاضاً تم ابتذاله كما الحقيقة، فالكل ينادي بها، فهل يدرك أحد ما هي الحقيقة؟ لنرى ما لدى الويكيبيديا حول الحقيقة المطلقة. 

In philosophy, universalism is a doctrine or school claiming universal facts can be discovered and is therefore understood as being in opposition torelativism. In certain religions, universality is the quality ascribed to an entity whose existence is consistent throughout the universe. This article also discusses Kantian and Platonist notions of "universal", which are considered by many to be separate notions.
في الفلسفة، "العالمية أو الشمولية" هي عقيدة أو مدرس تزعم بأن الحقائق الكونية (أو الحقائق الشمالة أو الحقائق العالمية) يمكن اكتشافها وبالتالي يمكن فهمها، كمعارضة لنسبية الحقيقة (نسبية الحقيقة تقول بأن الحقيقة لابد أن تكون نسبية بالنسبة لمرجع ما أو أي إطار فكري من مثل اللغة والأخلاق التي تختلف من ثقافة إلى آخرى). في بعض الأديان، فالشمولية هي خاصية يمتلكها موجود وجوده متسق مع الكون. 

فهل من الممكن أن نصل للحقيقة المطلقة؟ إنطلاقي لمفهوم الحقيقة المطلقة سيكون باعتبارها كياناً منفصلاً لا يمكن الوصول إليه أبداً وهي فرضية أستخدمها كثيراً حتى تكون نقطتي المرجعية في النقاش. وبالتالي فإن وجود هكذا حقيقة بعيدة عن التناول يجعل الملحد يراها نسبية في بعض الأحيان، ولربما ستجد من الملاحدة من يقول بنفس كلامي فينطلق لنسبية الحقيقة ونسبية فهمنا لها. ولكن هل هذا صحيح؟


لدرجة معينة كلام الملحد صحيح، والسبب راجع لأن إدراك البشر لمفهوم معين وخلافاتهم حول نفس النقطة تجعل من كلمة "حقيقة مطلقة" عرضة للشك. ولكن السؤال الذي يجب أن يجيب عليه الملحد: هل هناك شك حول وجود تلك المسألة مثلاً؟ لنأخذ مثلاً وجود الله، ولا نقول بأن الله هو الإله الديني المتعارف، بل هو واجب الوجود بالذات خالق الكون. لدى المادي هو المادة لا غير، ولدى المؤمن هو الخالق، واللاأدري لا يستطيع انكار وجوده ويتهرب من اثبات وجوده. وبالتالي فوجود الله كوجود عبارة عن نقطة إشكالية لا يمكن تجاوزها، وهذا يدعم كلامي أصلاً حول امتلاك الحقيقة! فأنا أعتبر الملحد قد تشوه لديه حقيقة مفهوم الله وبالتالي لم يره، بل قام بنسبة صفات الله لمخلوقاته فوقع في الشرك والعياذ بالله. الملحد يؤمن بإله، ولكنه هذا الإله مشلول عاجز أو غير فاعل أبداً حسب نظر الملحد. 

اذاً إلى أين يقودنا هذا؟ نسبية الحقيقة آتية من طرفنا لا من طرف الحقيقة بذاتها، بل لا جرم أن نقول أن افتقارنا الذاتي إلى معرفة الحقيقة يتطلب تدخلاً خارجياً متمثلاً بالتدخل الإلهي حتى نصل لها. 

وبهذا نرى أن الوصول للحقيقة المطلقة ممكن ولكن بمساعدة الله نفسه، وهذا ما حصل لنا في الأديان، حيث عرفنا المطلق بمعرفتنا لله. 

اذاً ما بال الحقيقة؟ 
الحقيقة كالمكعب، لا تملك وجهاً واحداً، المكعب جسم واحد وكذلك الحقيقة، والمكعب له 6 اوجه وثمانية رؤوس و 12 حرف، والحقيقة لها وجوه متعددة، قد يكون على كل وجه نقش ولون يختلف عن الوجه الآخر، وبالتالي فرؤيتك لكل وجه على حدة تعطيك جانباً واحداً من الحقيقة. 
وهذا جلي في العلوم، فأنت عندما تنظر للمادة على المستوى الكبير فإنها تتصرف بطريقة معينة، وعندما تنظر لها على المستوى الذري ستجدها تتصرف بطريقة أخرى، فهل اختلفت المادة؟ أم هل اختلف العالم؟ أم ماذا؟ الذي اختلف طريقة فهمنا لحقيقة التصرف لا أكثر، أما التصرف فلم يتغير ... بقي هو هو. 


اذاً يمكننا الوصول للحقيقة المطلقة من مثل: هناك تفاعلات بين المواد، هناك وجود، هناك حرارة، هناك برد، هناك خير، هناك شر، وهناك وهناك وهناك! ولكننا سنختلف في إدراكنا للحقيقة، ولهذا يسقط مفهوم نسبية الحقيقة، وينتصر مفهوم نسبية الأفهام. 

ما الحقيقة المطلقة إلا مجموعة من الحقائق الكبيرة التي تقود إلى توازن نمو وارتقاء. هكذا أفهمها وهكذا أراها. 

اذاً هل الحقيقة المطلقة وهم؟ كل ما نعرفه هو ما ندركه عن الحقيقة المطلقة لا أكثر ولا أقل. 


والله ولي التوفيق والحمد لله رب العالمين.