الجمعة، 10 يناير 2014

نافذة على الفلسفة - الدرس الخامس


بسم الله الرحمن الرحيم

الدرس الخامس

تقسيمات الوجود (2)









(50)



إن إحدى تقسيمات الوجود هي:
الموجود المادي والموجود المجرد.
والمقصود من الموجود المجرد ما يقابل الموجود المادي ومن هنا يُسمّى الموجود المجرد بـ «غير المادي».
وتستعمل كلمة المادي في الفلسفة بمعنى الجسماني، فيكون المجرد بمعنى غير الجسماني، فلا يصدق عليه أنّه جسم ولا تُنسب إليه خصائص الأجسام، كوجود الله‏ الأقدس؛ فإنه ليس بجسم ولا يخضع لخصائص الأجسام. وعلى هذا فالوجود شامل لنوعين من الموجودات: المادية والمجردة.

 


إلا إن بعض المدارس المادية كالمدرسة الوضعية وفي طليعتها «اوغست كونت» (1) والمدرسة الماركسية وفي مقدّمتها كارل ماركس (2)، ذهبوا إلى إنكار



1. «اوغست كونت Ougust Conte» «1798 ـ 1857 م» عالم فرنسي مؤسس للمذهب الوضعي الفلسفي، كما وإنه مؤسس لعلم الاجتماع الحديث، كان يعاني من الفقر والضنك الاقتصادي، ألّف كتاب «محاضرات في الفلسفة الوضعية».
2. «كارل ماركس Cal Max» «1818 ـ 1883 م» مفكر اقتصادي وسياسي ألماني، ولد في مدينة ترير من أسرة يهودية، اعتنق وأسرته المسيحية على المذهب البروتستانتي، اهتم بفلسفة (هيجل) ودرس التاريخ والفلسفة، فنال شهادة الدكتوراة في الفلسفة واختص بدراسته الاقتصاد. عمل محرراً لجريدة «الراين» وكتب كتاب «رأس المال». عانى في حياته من الفقر المدقع فشكل عقدة في حياته، انعكست و بصورة مفرطة على آراءه وأفكاره وكتاباته.

(51)


 


كل ما لا يمتّ إلى العالم المادي المحسوس بصلة ورفعوا شعار «أثبت لي شيئاً بالحس أقبله منك وإلا فلا» وتغافل هؤلاء عن أنَّ الموجودات منها ما هي مجردة غير مادية، لا يمكن التعرف عليها إلا من خلال العقل واستنتاجاته وتأملاته كوجود الله‏ تعالى، لأن الحواس الخمس قاصرة عن إدراكها والتحسس بها، ومنها ما هي مادية غير مجردة، وهي بدورها قد تعجز حواس الإنسان الخمس عن إدراك بعض مفرداتها ومواردها، لوجود مانع حال دون ذلك، أو لقصور في وسائل التجربة، فالإلكترون والأشعة تحت الحمراء أو فوق البنفسجية والجاذبية الأرضية وغيرها من المفردات أكّد عليها العلم وآمنا نحن ببعضها إيماناً قاطعاً على الرغم من أنها لم تخضع بصورة مباشرة لإحدى حواسنا الخمس، بل توصّلنا إلى وجودها من خلال آثارها الدالّة عليها بحكم العقل القاطع بأن لكل أثر مؤثراً ولكل معلول علّة.

فإذا أمكن إثبات الجاذبية من خلال سقوط الأجسام باتجاه الأرض بعد رميها إلى أعلى، وإذا أمكن إثبات وجود التيار الكهربائي من خلال توهج المصباح أو حركة المروحة، أمكن أيضاً إثبات وجود الله‏ من خلال آثار صنعه وبديع خلقه. فكما أثبتنا وجود الجاذبية والتيار الكهربائي وغيرها من الظواهر المادية بطريقة عقلية استدلالية مع أنها لم تخضع بصورة مباشرة لحواسنا، كذلك الحال بالنسبة إلى

 


(52)


 

الله‏ جَل جَلاله، إذ يجوز لنا إثبات وجوده الأقدس بطريقة عقلية استدلالية على الرغم من إنه تعالى لم يخضع بصورة مباشرة لحواسنا.
فإن رضوا لأنفسهم ذلك ولم يرضوه لنا، كان كيلهم بمكيالين! وعلى طريقة «باؤهم تجر وباؤنا لا تجر»!

 

إن بإمكاننا التفريق بين الموجود المادي وبين الموجود المجرد في أن الأول يمكن الإشارة إلى جهة وجوده دون الثاني، فلا جهة له حتى تصح الإشارة إليه.

كما أن الموجود المادي فيه استعداد وقوة على التغيُّر والتبدل بالامتداد والحركة من حالة إلى حالة أخرى، ولذا فإن الحركة ملازمة له، فالحبة تتحول بفعل استعدادها للتغيُّر إلى نبتة، والنبتة إلى شجرة، والشجرة تحمل ثمراً وهكذا، فإن الموجود المادي في حالة تغيُّر وحركة دائبين، بينما لا تجد هذه الحالة في الموجود المجرد على ما ذهب إليه جمهور الحكماء.


(53)


1 ـ بيّن كلاًّ من الموجود المادي والمجرد؟
2 ـ وضّح موقف المدارس المادية من الموجودات المجردة؟ وما هو الرد المناسب لها؟
3 ـ اذكر الشواخص التي يميّز على أساسها الموجود المادي عن المجرد؟


(54)