الجمعة، 17 يناير 2014

نافذة على الفلسفة - الدرس السابع

الدرس السابع

الجوهر والعرض (1)




(64)


إنَّ عدَّك للأشياء الموجودة في مدرستك قد يَكون عدّاً فردياً بأن تحصي عدد الطلاب والكراسي والصفوف والأشجار والأقلام والدفاتر .... بكل أفرادها وجزئياتها، وقد يكون عدَّك لها عدّاً نوعياً فلا يعنيك أعدادها الفردية بل المطلوب عندك معرفة عناوينها الكلية بأن تقول:
إن مجاميع من الطلاب والكراسي والأشجار والأقلام والدفاتر .... توجد في مدرستنا.

وعلى غرار الطريقة الثانية في عدِّ الأشياء، قام الفلاسفة في عدِّ أنواع الموجودات وأجناسها العامة بعد استقرائها وتسمّى عندهم بالأجناس العالية أو المقولات(1)

وقد وقع الخلاف في تحديد عددها إلا أنَّ المعروف عنها أنها عشر مقولات على ما اختاره زعيم المشّائين «أرسطوطاليس» واحدٌ منها يُطلق عليه اسم «الجوهر» بأقسامه، والتسع الباقية منها تسمّى بـ «الأعراض».

وقد عَرَّف الفلاسفة الجوهر بأنه الموجود لا في موضوع، وبعبارة أخرى إنه ماهيةٌ إذا وُجِدتْ وجدت لا في موضوع، كالجسم فإنه في وجوده لا يحتاج إلى
 

1 ـ جمع مقولة، وهي ما يُقالُ في جواب ما هو، فهي ماهيات الأشياء وحقائقها.
(65)

 

موضوع كي يتقوّم ويتحقق به على خلاف العرض، فقد عرَّفوه بأنه ماهية إِذا وجُدتْ وجُدتْ في موضوع، كاللون مثلاً فإنه لا يوجد بصورة مستقلة عن غيره بل لابد له من موضوع كي يتقوّمَ به، فاللون لا يتحقق إلا في جسم، فيكون الجسم موضوعاً لتحقق اللون ووجوده.

والفلاسفة بعد استقرائهم للجوهر وأنواعه وجدوا أنه لا يتعدّى خمسة أقسام؛ فإليك بيانها بصورة مجملة مع ذكر تسمياتها:

ويسمّى عندهم بالعقل، وهو موجود مجرّد، ولا تعلق له بالمادّة والمادّيات، كالملائكة فإنّ وجودها مجرد ولا تحتاج إلى شيء مادي في نشاطها وفعلها.

و«العقل» مشترك لفظي بين معنيين:
الأول: بمعنى القوّة التي تُدرِك الكليّات وهذا المعنى هو الذي تنصرف إليه كلمة العقل في العرف العام حين استعمالها.
الثاني: بمعنى المجرد التام كالملائكة وهو ما يقصده الفلاسفة من استعمال كلمة العقل حين إطلاقها.

وهو الموجود المجرد في ذاته ووجوده إلا إنه مرتبط بالمادة، كروح الإنسان، فإن وجودها مجرد إلا إنها متعلقة بالبدن في نشأتها وفعلها؛ حيث إنها تنشأ مع

 

(66)

 

نشوء البدن، كما أوضح ذلك صدر المتألهين استناداً إلى فكرة الحركة الجوهرية.(1) كما إنها تحتاج إلى البدن في فعلها ونشاطها، فهي التي تدرك وترى وتسمع وتلمس ... كل ذلك بواسطة البدن، وفي آخر الأمر يُتاح لها أن تستقل عن البدن بعد موته.

وهو الموجود الذي له أبعاد ثلاثة وله زمان ومكان وقابل للأشكال المتعددة والألوان المختلفة، ويتحقق لنا إثباته عن طريق العقل لا عن طريق الحس، وذلك لأن ما ندركه من الأجسام ليس سوى أعراض تعرض على الأجسام ومن خلالها نستنتج أبعادها الثلاثة.
والجوهر الجسماني مركب من جوهرين آخرين أحدهما الجوهر المادي والآخر الجوهر الصوّري، وسيأتي توضيحهما بعد قليل.

وهو مُبْهم لا تشخص فيه سوى قابليته واستعداده للتشخص ـ أي قبوله لصورة الأنواع المختلفة ـ وهو موجود في جميع الأجسام وَيكون متشخصاً بسبب الصور النوعية التي تظهر فيه، ولكنه في الجميع واحد مشترك، فالتراب حين يكون نباتاً والنبات حين يكون حيواناً، والحيوان حين يكون معدناً ... فإن الجوهر المادي أو ما يسمّى بالهيولى فيها واحد لا يختلف، وإنما الذي اختلف صور الأشياء التي توالتْ عليه، فالصورة الترابية هي التي تغيّرت إلى صورة
 

1 ـ سوف يأتي في الدرس الرابع عشر بيان لفكرة الحركة الجوهرية.
2 ـ الهيولى كلمة يونانية تعني الأصل، وهي واحدة في جميع الأشياء في الجماد والنبات والحيوان .. وإنما تتباين الكائنات في الصور فقط.
(67)


حيوانية، والأخيرة بدورها تغيرت إلى صورة معدنية .... وهكذا، فالجوهر المادي أشبه ما يكون بالطين الذي يتخذ أشكالاً مختلفة حين استخدامه في البناء، فإنه واحد لم ‏يتغيّر وإنما صوره الطارئة عليه تتغير.

وهو منشأ آثار أنواع الموجودات المادية الجسمانية وله أنواع مختلفة، فمن جملتها الصورة الجسمية التي تلازم الهيولى ولا تنفك عنها؛ لأن الهيولى ـ وكما تقدّم ـ لا فعليّة ولا تشخص فيها سوى استعدادها لتقبل الصور النوعية المختلفة، فلابدّ من صورة تتلبس بها وتحقق عن طريقها فعليتها، وهذِهِ الصورة هي الصورة الجسمية. وحيث إنه لا يوجد في دنيا الوجود صورة جسمية مطلقة تُظهِرُ الهيولى، كان المظهر لها صور الأشياء المادية المختلفة، كالصورة الترابية والنباتية والحيوانية والمعدنية.

وهكذا فإن صور الأنواع المادية الأخرى تتوالى على الهيولى كالصورة الحديدية والخشبية والزئبقية، والأوكسجينية مع بقاء الهيولى ثابتة على حالها بلا تغيير، فالمتغير والمتبدِّل هنا الصور النوعية للمادة دون مادتها المشتركة المسماة بالهيولى.
ولا يخفى أن كل صورة من الصور النوعية المتوالية على الهيولى تصلح أن تكون مادة لما بعدها، فالحيوان مادة للصورة النوعية النباتية، والنبات مادة للصورة النوعية الحيوانية والحيوان مادة للصورة النوعية الإنسانية ...، وتسمى هذه المواد بالمادة الثانية تميزاً لها عن المادة الأولى والهيولى المتقدم ذكرها (1).
 

1 ـ ويظهر مما تقدم أن كل مادة ما خلا المادة الأولى تسمى بالمادة الثانية، فلا توجد من بينها مادة ثالثة أَو رابعة أو خامسة....
(68)

1 ـ ما هي طريقة الفلاسفة في عدِّهم للأشياء؟
2 ـ ما هو تعريف كلٍ من الجوهر والعرض؟
3 ـ ماذا تعني كلمة العقل؟ وما هو مقصود الفلاسفة منها؟
4 ـ ماذا يقصد من الجوهر النفساني؟ وكيف تكون نشأة النفس ونشاطها وفعلها؟
5 ـ ما هو الجوهر الجسماني؟ ومن أي شيء يتركب؟ وكيف يتم إدراك أبعاده الثلاثة؟
6 ـ عرِّف كلاً من الجوهر المادي والجوهر الصوري. ثم وضح وجه الارتباط بين الجوهر الجسماني والمادي والصوري.

7 ـ ماذا تعني المادة الأولى وماذا تعني المادة الثانية؟ أوضح جوابك بمثال لكلٍ منهما.