السبت، 25 يناير 2014

نافذة على الفلسفة - الدرس الثامن

الدرس الثامن

الجوهر والعرض (2)

 




(72)


تقدم الكلام في الدرس الماضي عن الجوهر وأقسامه، وبقي الحديث عن الأعراض، والأعراض كما أشرنا قبل قليل تسعُ مقولات، وإليك ذكرها مجملة مع ذكر مثال واحد لكل مقولة منها:

1 ـ الكمّ:
وهو إما كمٌّ متصل كالخط والسطح والحجم، وإما كمّ منفصل كالعدد. كما إن المتصل إما أن يكون قارّاً ـ مستقراً ثابتا ـ كالخط والسطح والحجم. وإما أن يكون غير قار ـ غير مستقر وغير ثابت ـ كالزمان، إذ لا قرار ولا ثبات في الزمان، فكل مقطع منه ينتهي ليأتي مقطع آخر، بدلاً عنه.

2 ـ الكيف:
و هو على أنحاء مختلفة:
فقد يكون كيفاً نفسانياً كالعلم والإرادة والحب والبغض والألم... .
وقد يكون كيفاً كمّيّاً كالزوجية والفردية للأعداد، والاستقامة والانحناء للخطوط والسطوح، والأشكال للسطوح والأحجام.
وقد يكون كيفاً استعدادياً، كاستعداد الطفل أن يكون رجلاً، واستعداد البذرة أن تكون شجرة، بينما لا يوجد في الحجر استعداد لذلك.

(73)


وقد يكون كيفاً محسوساً كإدراك المرئيات من الألوان، والمذوقات كالحلاوة والمرارة، والمشمومات كالروائح الطيبة والكريهة، والمسموعات كالأصوات الجميلة والمنكرة، والملموسات كالخشن والناعم.

3 ـ الأين:
وهو نسبة شيء مادي إلى مكانه كقولك: جابر بن حيان الكوفي،(1) الحسن البصري،(2) روح ‏الله‏ الموسوي الخميني قدس ‏سره (3)؛ فإنك نسبت الأول إلى مكان اسمه «الكوفة» ونسبت الثاني إلى مكان اسمه «البصرة»، ونسبت الثالث إلى مكان اسمه «خمين».

4 ـ المتى:
وهو نسبة بين الشيء وبين زمانه، كاليوم والأمس، وهذا العام الماضي والعام القادم وهذا الأسبوع ... كما في قولك:
«انبثق نور الثورة الإسلامية الإيرانية في اليوم الحادي عشر من شهر شباط في
 

1 ـ جابر بن حيان الكوفي (117 ـ 200 ه ق) من علماء الكيمياء العرب المشهورين، عاش في الكوفة، له مؤلفات كثيرة منها: «أسرار الكيمياء»، «علم الهيئة»، «أصول الكيمياء» و «الرحمة»؛ ترجمت مؤلفاته إلى اللاتينية.
2 ـ الحسن البصري: «أبو سعيد» (21 ـ 110 ه ق): تابعيٌّ ولد في المدينة، وأقام في البصرة وفيها توفي. لقي عثمان بن عفان وعبد الله‏ بن العباس. كان شاخصاً في معرفة الأحكام الشرعية والتدريس وعنه اعتزل واصل بن عطاء الذي غدا رأس المعتزلة.
3 ـ الخميني (1320 ـ 1410 ه ق) روح ‏الله‏ الموسوي الخميني. ولد في مدينة خمين التابعة لمحافظة آراك الإيرانية. يُعتبر فقيهاً وفيلسوفاً ومرجعاً من الطراز الأول، وقد عُرِفَ بالزهد والورع والانقطاع إلى الله‏، وفي ذات الوقت امتاز بالشجاعة والصلابة مضافا إلى إحاطته ووعيه لكل ما يدور حوله من شؤون سياسية واجتماعية... مما أهله أن يكون قائداً عظيما قل نظيره. نهض ضد حكومة الشاه محمد رضا منذ عام 1963م وبعدها واصل نضاله في منفاه حتى عاد منتصراً بإقامة حكومة إسلامية، وذلك في 11 شباط من عام 1979 م.
(74)


عام 1979 م.»

5 ـ الوضع:
وهو نسبة أجزاء الشيء بعضها مع البعض الآخر والمجموع إلى الخارج، كالقيام فإنه يحدد موضع الرأس إلى أعلى وموضع البطن في الوسط وموضع الرجلين إلى أسفل وبصورة عمودية، على خلاف ما لو كان البدن مستلقياً فإنّ وضع أجزاء البدن سوف تكون في حالة أفقية.

6 ـ الملك:
وتسمى بالجِدة، وهي نسبة شيءٍ إلى شيءٍ آخر يحيط به بلون من ألوان الإحاطة، كالتعمّم، والتقمّص، فإن العمامة تحيط بالرأس والقميص يحيط بالصدر والبطن واليدين.

7 ـ الفعل:
وهو يحكي عن تأثير شيء مادي يُسمى بالفاعل، في شيءٍ مادي آخر ويسمى بالمنفعل. كقوله تعالى: {تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ} (1) وكقولك: «علّمتُ الطالبَ».

8 ـ الانفعال:
وهو ما يحكي عن تأثّر شيءٍ ماديّ بشيءٍ مادي آخر، كتأثر الزجاجة بالحجر المرمي عليها، بانكسارها به، وكسخونة الماء عند وضع النار تحته.

9 ـ الإضافة:
وهي نسبة شيءٍ إلى شيءٍ بالقياس إلى نسبةِ أخرى كالأبوة والبنوة، فإذا
 

1 ـ الأنفال: 60.
(75)


نسبت الابن للأب فقد نسبت أيضاً الأب للابن.

«وقد نظَّم بعضهم بيتين من الشعر، ذكر فيهما المقولات العشر ليسهل حفظها على الطالب، فقال:
زيد الطويل الأزرق ابن مالك ** فى بيتهِ بالأمس كان متكي
في يدهِ سيف لواه فالتوى ** فهذه عشر مقولات سوا
فزيد مثال للجوهر، والطويل للكمّ والأزرق للكيف، والابن للإضافة، وفي بيتهِ للأين، وبالأمس للمتى، ومتكي للوضع، وفي يده سيف للملك، ولواه للفعل، فالتوى للانفعال»(1)


1 ـ محمد جواد مغنيه، معالم الفلسفة الإسلامية، ص 64 ـ 65. مكتبة الهلال.