الأحد، 3 نوفمبر 2013

فوبيا الدين - هل إغلاق العين يعني انك اصبحت لا تُرى؟

بسم الله الرحمن الرحيم

 فوبيا الدين 

قراءة نفسية في الخوف والدين
بقلم 
Zoldic Pain





 بين الخوف والفوبيا:

منذ خلقنا ونحن نعبر عن أنفسنا بشتى الطرق، نبكي حين نجوع او نتألم، نضحك أو نفرح لسبب عقلاني ولأُخر لا تمت للمنطق بصِلة وهلم جرا. والخوف يصيبنا عندما نواجه خطرا ما، او يصعب علينا أن نحيط بقدرتنا الوسط الذي نجهل؛ ذلك باننا نخشى ما نجهله لا لضعفنا لزاما وانما فقط لجهلنا عن ذات ما نواجه. وأما الهلع المرضي او الرهاب (Phobia) فعلاقته بالمخاطر تكاد تنعدم، لان أسباب الفوبيا لا تقتصر في الأساس على المخاطر او حتى الجهل.  وهو كمصطلح علمي يعني انفعالا حادا وخوفا لا عقلاني يصيب الإنسان (والحيوان) عندما يواجه موقفا او وضعا معينا، او يزاول نشاطا، او يرى غرضا او كائنا معينا؛ ولا يزول الشعور بالرهاب او يختفي بمجرد علم الإنسان ان شعوره هذا لا مبرر او مسوغ له.
وحتى يومنا هذا توجد بضع مئات من أنواع الرهاب المثبتة علميا، منها رهاب-الرهاب! ويكفي لمقامنا التطرق لأنواع الرهاب التي تصف الملحد والمؤمن في الإقليم العربي. يقسمها العلماء إلى عدة أنواع كالتالي:


-   رهاب الخلاء (agoraphobia): وفيه يشعر الشخص بالرهاب عندما يتصف المكان او الوضع بالعشوائي او الواسع او الغير قابل للسيطرة والمتابعة لكبر حجم المكان او لخلائه او لإحتشادٍ ما فيه او حتى لشعور بإنفصال الذات عما حوله. على ذمة جين موريسي ومعاونيه فهذا النوع من الرهاب مسؤول عن 60% من إصابات الفوبيا. فإلقاء المحاضرات او الوقوف في صف في بنك ما قد يجعل المصاب بهذا الرهاب يقرر الجلوس في البيت ما عاش!
-      رهاب المجتمع (social phobia): يتميز بشعور حاد بالرهبة من المواقف الاجتماعية بشكل يسبب ضائقة كبيرة وضعف قدرة الشخص على مزاولة عمل ما او حتى ان يمارس حياته اليومية بشكل طبيعي. قد تبدأ تلكم المخاوف بسبب تدقيق الآخرين المتصور او الفعلي لشخص ما.

-         رهاب محدد (specific phobia): وهو رهاب من شيء محدد غير هلامي او لا تدخل العشوائية فيه بقدر الأنواع السابقة، ومنه الخوف من العواصف الرعدية والبرق astraphobia، الخوف من الشيخوخة والكبر في العمر gerascophobia، الخوف من العمليات الجراحية او الحقن trypanophobia، رهاب التجديد (neophobia)، والمقصود في طرحنا والذي له عدة تقسيمات، الخوف من الدين او الالتحاق بجماعة دينية.
    

من آثار الرهاب على حياة الناس انه يغير طريقة عيش البشر كمحاولة منهم لتفادي مخاوفهم والاندماج في المجتمع بشكل يواكب استحسان المجتمع ويحد من ذلك الشعور الحاد بالضيق المرافق للرهاب. فنرى ان الإدمان على الكحول عادة يتوافق مع عشرة اضعاف الإصابة بالرهاب؛ بمعنى إصابة 10 اشخاص ممن أدمن الكحول بالرهاب مقابل شخص واحد مصاب بالرهاب وغير مدمن على الكحول. وأن الطفل المولود في عائلة مصابة افرادها بالرهاب هو أكثر عرضة للإصابة بالرهاب بـ 3 أضعاف. ولعلاج 90% من حالات الرهاب يكفي تعريض الشخص المصاب لمواقف تدريجية يواجه فيها مخاوفه.

فما نصيب الملحد والمؤمن من الرهاب؟


تنقسم أنواع الرهاب المعنية لأنواع عدة، فالبعض يكره جماعة دينية لربما بسبب طقوسها الدينية او توجهاتها في مختلف الأدوار المجتمعية كالسياسة، والبعض يكره الدين بحد ذاته ولا أراه عيبا ان تصل لكره فكرة او آيدلوجيا ما؛ إلا إذا وصلت في كرهك لها لمثل ما وصل إليه ريتشارد دوكنز عندما أقحم أنفه في أمور فلسفية مما جعلت فلاسفة الملحدين يتبرأون من إلحاده! وأقول لا بأس بذلك لأنني اعتبر الدين كآيدلوجيا لا تختلف عن السياسة مثلا كفكر ما قد يعجب البعض وقد لا يعجب البعض الآخر! والقسم الأخير يكره الفلسفة اللاهوتية والإله المعبود! مما يقع تحت مسميات كـ رهاب الدين (religion phobia/ theophobia)، رهاب الإله (God-phobia/ Zeusophobia)، والبعض من المؤمنين يكره الإلحاد او اتباعه كنوع من فوبيا الإلحاد (atheophobia) فترى هذا الشخص لا يهمه دراسة الدين ومعرفته بمقابل راحته لكونه متدينا!
غالبا يصاب الإنسان بهذا الإضطراب النفسي تجاه الدين لكثرة الأديان وقلة حيلته على دراستها جميعها والتأكد أي الأديان صحيحه وايها فاسدة. يبدا هذا الشعور بإعتقاد ان الله يتعامل بنوع من الحنق تجاه عباده فهو دائما يريد ان يصطاد لهم الزلة وان حسابه دوما يكون بالسلب والإكراه. وفي محاولة من الملحد المثقف لمواجهة رغبة التدين في مواجهة الموت او اللاوجودية (Non-existential/ inexistence)، اوجد نوعا من نقيض اللاوجودية (الوجودية existential) –أي إستعاض بالوجودية لمواجهة نفسها، الامر الذي يريد أصلا مواجهته حيث يعتبره سببا رئيسا للتدين– تحت مسميات كـ القضاء على الموت وحتى "الصدفة الجغرافية" والتي تنص على ان الدين في زمان الانفتاح العلمي والمعلوماتي لا يزال منوط بالصدفة البحتة! مطلقين العنان لأي فكرة تجعل منهم أصحاب الإنسانية وأحباب الحياة متناسين انهم السباقون في الإنتحار منذ عام 1992. ويعتمدون للدفاع عن هذا الرأي المغلوط عن الرغبة في التدين على انتشار أديان تدعي ان البشر يعاد تكرير وجودهم فيعادون ويبعثون مرة أخرى للحياة بصورة وجودية مختلفة كالهندوسية واليانية (أو الجاينية) Jainism او لحد ما البوذية التي حصرت الوجود بالوصول لمرتبة عليا ثم الانتهاء (الوصول لمرتبة النرفانا او السعادة القصوى Nirvana). ومشكلة الرأي البوذي التي يراها أي طفل عاقل هي: كيف يكون الكيان سعيدا إذا لم يكن له وجود؟ فبالنسبة للملحد حتى في دين بشري لا يعترف بإله لم يجد ما يثلج صدره مما يزيد بداهة التيه والضياع وفوبيا الدين لدى الملحد. ولننظر إلى المسالة من وجهة أخرى، عندما نتحدث عموما في الإقليم العربي عن الدين لا نستنكر القول أن "حزب اليمين في البلد الفلانية مغرق بالتطرف القمعي الديني" أو أن " تلك الفتاة التي اغتصبت هي سبب ما حدث لها"؛ ذلك بان كثير منا بات ينسلخ عن مسؤولياته هو تجاه تلك الاحداث. وبالمثل، عندما يتحدث الملحد العربي عن الدين يميل غالبا للتعميم، رغبة منه للإبتعاد عن التعمق في الدين والتحدث تباعا عن التزاماته تجاه الدين ومدى موضوعيته او صدقه في بحثه.

تراهم يبنون حججهم على:

1-    ان الدين يدعم القمع والعنف والإستبداد وانه من الأفضل مواجهته او ربما معارضته بجدية ونشاط.
2-    ان الدين مسالة شخصية أو ذاتية؛ ولذلك فهي لا يمكن ان تقاس بالعقلانية او المنطق.
3-    ان الدين يمنع التقدم العلمي ولا يحث عليه.
4-    ان الدين سيتدخل في مدى فاعلية أو حدود العلم.
وفي حقيقة الأمر، قبول الدين يعني قبول وجود الإله المستحق للعبادة، وهذا لب ما يزعج الملحد، الإنصياع. لذلك يسعى الملحد جاهدا لإثبات حقيقة الإلحاد بل وتفوقه على الدين. مما يجعله مضطرا لإستنقاص العلوم الاكاديمية التي تصب في صالح الدين، بل ويستنكر العلم على كبار العلماء فقط لكونهم يتبعون دينا! حينها يصبح كل من لا يشاركهم الرأي، غبي، ساذج لا علم له. فتراه يتشدق يمنة ويسرة بأن نسبة العلماء الذين يصدقون بالتطور مرتفعة وأن الجامعات التي تدرس التطور تكاد تكون نسبتها 99%. واقعين بذلك في مغالطات منطقية كالإحتكام بالعدد والسلطة. حتى وإن كانت النتيجة تنزع الروح الجميلة للوجود، الهدف والتصميم في الوجود؛ حتى وان كانت تلك العلوم المزيفة تضر العلوم وتدخلها في مرحلة إستنزاف آيدلوجية دوغمائية. من السهل جدا ان نتظاهر بان شيئا ما ليس له وجود، ولكن تظاهرنا بمفرده لا يعني انعدام الوجود! فإغلاقي لعيناي لا يعني أنك انت الذي لا تراني!!
ولا يقل الضرر على المؤمن، إذا كان خوفه من الله ضارا؛ ذلك بان عمل الخير المبني على حب واحترام الله والضمير الإنساني يختلف كلية عن ذلك الخير المبني على الخوف من الجحيم والطمع في 70 ألف من الحور العين! فهذا يجعله منافقا يرغب في الإلحاد ولكنه يخشى عقباه!

أخيرا وددت لو أجد بحثا احصائيا يوضح عدد المصابين بهذه الفوبيا المحددة؛ لكن النسبة في موضوعنا هذا لا يهم فحديثنا يكاد يكون عما نراه في حياتنا اليومية. وأيضا ركزت انا كاتب الموضوع على نظرة الملحد للمسالة ولم اوازن بين قدر الكلام عن الملحد والمؤمن لمنع التكرار فقط لا غير؛ ذلك بان معظم ما قلته هنا عن تهرب الملحد عن الالتزام يقع أيضا بشكل معكوس على المؤمن الذي سلم نفسه للخوف وباع الضمير وأساس التدين الحقيقي واستعاض بالتزمت والتطرف. واما العلاج، فإن علاج كره اللادين وكره الدين يقع أولا على عاتق إصلاح المجتمع وإرجاع التوازن فيه مجددا. اما عن رد الملاحدة المتوقع على الموضوع؟ "الملحد لا يؤمن بالإله لكي يخاف منه" .. قراءة ممتعة J

المصادر


Culbertson, F. (1995, July 17). The Phobia List. Retrieved from The Phobia List: http://phobialist.com/

Jean Morrissey, B. K. (2008). Psychiatric/Mental Health Nursing An Irish Perspective. Dublin: Gill & Macmillan.



Specific phobias. (2010, January 30). Retrieved from Encyclopedia of Mental Disrders: http://www.minddisorders.com/Py-Z/Specific-phobias.html


webmd. (2012, February 20). Anxiety & Panic Disorders Health Center: Specific Phobias. Retrieved from webmd: http://www.webmd.com/anxiety-panic/specific-phobias