الجمعة، 15 نوفمبر 2013

متشكك أم ملحد؟



بسم الله الرحمن الرحيم

اليوم سأتكلم عن رأي شخصي في مسألة النقاش مع الملحد بعد أكثر من ثلاث سنوات في نقاش الملحدين والتعرّف على أفكارهم وآرائهم الشخصية. وبالتالي فالكلام التالي هو رأي شخصي يحتمل الصواب والخطأ ويقبل النقاش والرد وفق الأسس العقلية والمنطقية عن طريق دحض الحجة بالحجة، ونقد الرأي بالرأي، والإلزام بالدليل. وقبل أن أتعمّق في نقطة النقاش يجب أن أوضح أمراً مهماً بنظري: الملحد لدي هو كل شخص اتبع أحد الاتجاهات المعروفة: اللادينية، الربوبية، اللاأدرية، والإلحاد الكامل. فالإلحاد لغةّ هو الميل، وهؤلاء مالوا عن جادة الإيمان بكل تأكيد، وللتنويه، فإني لم أناقش أتباع الربوبية أبداً ولهذا فإن كلامي سيتم توجيهه نحو اللاأدرية الملحدة. 

حسبما قرأت وجرّبت وجدت أن الملحدين (كما باقي البشر) أصناف وأنواع، ولكن يمكن أن نقسمهم حسب موقفهم البرجماتي النفعي من الإله إلى الآتي، الأول: موقف سلبي، أي إنه لا يهتم بقضية وجود الإله من عدمها. الثاني: إيجابي، أي أن معظم نقاشاته تدور حول وجود الإله ومحاولة نفيه بالدليل العقلي. والآن لننتقل إلى الموقف من الأديان، وأيضاً سنجد نفس التصنيفين: سلبي وإيجابي، فالسلبي بالتأكيد لن يهتم لوجود الدين من عدمه، وسيكتفي بعدم اتباعه، والإيجابي سيسعى لمحاربته ونقضه عن طريق تسخير الأدوات النقدية المختلفة. إذاً فالإلحاد يتبع الطبيعة البشرية التي تتخذ موقفاً من قضية عن طريق إما التجاهل (سلبي) أو التفاعل (إيجابي) ولهذا فإن اعتراضات الملحد هي – بالنسبة لي على الأقل – اعتراضات فكرية موجودة في التاريخ الإسلامي ومطروحة على طاولة النقاش بين المفكرين المسلمين. 



إذاً ما قضية الإلحاد ورفض الأديان؟ هناك مفهوم شائع – وأراه خاطئاً – أن الأديان هي الدليل على وجود الله، مع إن قضية الأديان مبنية على مجموعة من المسلّمات والنتائج ألخصّها على شكل نقاط:

1- الله موجود. 

2- الله فاعل مختار.

3- الله اختار أن يخلق البشر.

4- الله ليس بعابث. 

5- الله يريد للبشر أن يعرفه وأن يعمّر الكرة الأرضية. 

6- الإنسان لديه القدرة على الاختيار وفق وجود المعطيات الصحيحة.

7- على الله أن يوفر لنا المعطيات الصحيحة فهو خالقنا والمسؤول منا.

8- لابد أن توجد طريقة للتواصل مع الله (بعيداً عن أهوائنا).

وبالتالي فمن يرفض الدين فقط، فهو لديه اعتراض على طريقة التواصل، وهو رفض أهوائي لأن للأسف هذا كل ما نملكه حالياً، فعلى ما يبدو وفق المعلوم سلفاً أن الأديان حقيقة موجودة، وهي الوسيلة الوحيدة التي ادعت التواصل مع الله، ولهذا ومن باب البحث يجب أن نبحث عن الدين الذي يتلاءم والأسس العقلية التي نفترضها. نعم، هناك تيّار فكري يقول إن الإنسان ذكي جداً وقادر على تطوير نفسه، ولكن هذا الشخص نسي أو يتناسى أن الأديان هي التي عمّرت هذه الأرض وأرست الدعائم الأخلاقية، بينما قامت النظم المادية بانتقاء ما تريد من الأخلاق الدينية ورمت الباقي. ولا داعي لذكر آراء الدول العلمانية في تشريع الدعارة ودعم جنس الحيوانات وتغيير قانون الزواج بل حتى ما نراه من اندثار للأسرة وانهيار للمجتمع بسيره نحو الانقراض.


اذاً يجب أن نفصل بين الإلحاد الحقيقي والاعتراض على الدين، فالاعتراض على الدين أو أي مجموعة من الأديان لا تحمل في طيّاتها رفضاً لوجود الله، فمن الحماقة أن نرفض وجود الله بناءً على رفضنا للأديان. أنا أعتبر الشخص الذي رفض الدين ولم يقم بمحاولة إصلاحه على الأقل من زاويته، اعتبره قد اتخذ الخيار الأسهل، الخيار الذي يجعله يبذل جهداً أقل، وما أسهل الجلوس على الكنبة، ورفع رجل فوق أخرى، واحتضان اللابتوب، والبحث عن الشبهات، بدلاً من البحث عن الحقائق والتعمّق في فهم الدين وغاياته. ولهذا فأنا في كل كتاباتي أحارب الإلحاد الأصيل ولا أحارب المتشكك في الدين، لأن المتشكك في الدين لديه مهمة ذاتية هي أن يبحث ويتعلم ويقرأ، أو يختار الخيار الأسهل كما أسلفنا. 

خلاصة كلامي وبعد ثلاث سنوات: لم أجد ملحداً حقيقياً إلا نادراً، كلها ذرائع باسم التطوّر والتفكير والتحضّر. الإلحاد الحقيقي عبارة عن فلسفة عدمية نفعية بحتة، ولهذا نجد أن الحالة العامة من الملاحدة لازالوا يعيشون وفق قيم مجتمعهم التي تربوا عليها مع رغبتهم بكسرها أحياناً، ونجد أيضاً من يحب وجود بعض القوانين المُنظِّمة مثل قوانين الزواج. تذكروا جيّداً أن أغلب الشباب الموجودين في الانترنت وفي مجموعات الملحدين تحوّلوا إلى فريسة سهلة للملحدين لضعف الأثر الديني، ولا يعني أن كل الشباب هم ضحايا فقط، فبعضهم تحوّل لجلاد بكل تأكيد وشارك في عملية تضليل الناس. 

في الختام، مهما كان سبب إلحاد الذين يناقشوني، فأنا ومن باب إحسان الظن، فإني اعتبرهم ملحدين كاملين وأناقشهم من أسس إلحادية ولا أناقشهم كمتشككين. فالمتشكك يجب أن يعترف بتشككه ولا يقفز للإلحاد وإلا سيكون الأمر مجرد مراهقة فكرية. 




والله من وراء القصد. 



والحمد لله رب العالمين