الجمعة، 3 يناير 2014

إفناء البشرية كخيار إلحادي، ممكن أم لا؟

بسم الله الرحمن الرحيم

هذا الموضوع هو نتيجة لنقاش خضته مع ملحد في مجموعة على الفيسبوك وهو يتكلم عن أخلاقية عملية قتل البشرية.
أسعى في هذا النقاش اثبات التالي للملحد:

أولاً أن الملحد لا يملك أي ثابت أخلاقي سوى المصلحة الشخصية والمادية.

ثانياً عندما يعجز الإلحاد عن تقديم الحياة، فهو يقدم الموت على طريقة الموت الرحيم.



إفناء البشرية كخيار إلحادي، ممكن أم لا؟


إن كان الخير هو ما ينفع البشرية أو يفدها حسب رأي الملحدين فالسؤال التالي يجب أن نجيب عليه بمطلق الصدق:



تخيّل معي وصول عدد سكان البشرية إلى حد يقترب من الانفجار السكاني وانهيار الموارد والاقتصاد، وكان الحل هو عن ابادة نصف البشرية باستخدام طريقة الموت الرحيم مثلاً أو نشر فيروس يسبب العقم الفوري لنصف البشرية حسب قانون الاحتمالات حيث يتوافق مع جيناتهم، ويندثر باندثارهم... فهل هذا الحل أخلاقي؟
بالنسبة للملحد يجب أن يكون أخلاقياً لأنه يمثل غاية وجوده: استمرار البشرية.




ما هي الاعتراضات التي تحيط بهذه المعضلة؟ قد يقول الملحد أن الأطباء في المستشفيات في بعض الدول الذين يصادف انهم يؤمنون إما بالمسيحية أو بالإسلام، يختارون من ينقذون من المرضى ومن يتركونهم عندما تحدث الكوارث مثل الفيضانات والزلازل ليواجهوا مصيرهم أي كان والذي قد يكون الموت أحدها. 



للوهلة الأولى: لقد انتصر الملحد! ولكن هل هذا حقيقي؟ الجواب: طبعاً لا. أولاً هناك محاولة للتقريب وتشبيه كوكب الأرض بمساحته الضخمة وأطرافه المترامية وعدد سكانه الكثر بمستشفى، هذه مغالطة مخفية. 

ثانياً هو يجعل الأطباء عبارة عن كائنات أخلاقية عندما يتركون المريض يواجه حتفه، وفي الحقيقة هذا العمل ليس عملاً مرتبط بالأخلاق، بل هو دليل على العجز والضعف. ثم إن الملحد يقارن هنا بين ظرف طارئ مثل الزلزال والفيضان، وبين أمر تسير له الأرض بخطى حثيثة من مثل التضخم السكاني وتفاقم أزمة الموارد. 


ثم هناك فرق شاسع بين أن تقتل المريض وأن تتركه يواجه حتفه! أن تتركه يواجه حتفه هو اهمال له أسبابه، وأن تقتله يعني باختصار أن تقتله لا أكثر ولا أقل. وأضيف أن موت المريض لن يؤثر على حياة الطبيب ولا على مستواها، فقط سيكون رقم آخر في القائمة. 


وحتى نصعّب الموضوع على الملحد سنقول له بأن هناك من الأطباء من يمارسون القتل الرحيم، والقتل الرحيم أنواع، فهناك نوع يتم بموافقة المريض نفسه، وهو بوجهة نظرنا الإسلامية انتحار بحت ولسنا بصدد مناقشته، ولكن ماذا عن ذلك الذي يتم بغض النظر عن المريض.


 وملاحظة استدراكية، لنتوقف عن النظر إلى المعاناة والألم والتكلفة المادية لعلاج المرضى ذوي الأمراض الخطيرة المزمنة، ولننظر إلى القضية من زاوية مادية صرفة:
لو تركنا القتل الرحيم للإنسان البالغ حسب طلبه أو رغبته، ونظرنا فقط لما لدينا حالياً: قتل الأطفال المعاقين تحت السن القانونية في بلجيكا وهذا قرار حديث جداً تم في نهاية عام 2013:
وتسعى الحكومة الاشتراكية إلى مد نطاق الموت الرحيم إلى فئات لا يتضمنها مثل من يعانون العته، والأطفال في حالة إصابتهم بأمراض مفضية إلى الموت، بشرط موافقة الأبوين.


وبالتالي فإن هذا الأمر يجعل هذا العمل قانونياً بل وأخلاقياً، ولكن ما هو الهدف من وراء هذا العمل؟
الهدف بسيط وواضح
أولاً: تخفيف التكاليف والاعباء المادية على الأهل.
ثانياً: تجنيب الأهل المعاناة النفسية عند النظر لابنهم. 


بالتالي فإن هذا القرار يصب بصالح الأهل قبل صالح الطفل، الذي قد يقول الإنسان المعافى عنه: "لا داعي لأن يعيش هكذا، حياة معاناة وألم وتعب." ومرة أخرى أذكركم بالعودة للنظرة التجريدية للواقع، لأن هذا القرار نابع من الأنانية الصرفة التي تجعل الإنسان يسعى لتحقيق رغباته واشباع حاجاته لا أكثر ولا أقل.
أين الربط مع موضوعنا؟
الربط أن كما هنا آباء يقررون قتل أبناءهم بدافع انهاء معاناتهم، وأطباء يعجزون عن تقديم العون فيختارون انهاء حياة المريض تجنباً لمزيد من المعاناة والمشاكل. الدافع أناني ومادي بحت، وبالتالي لا يوجد أي مانع من أن نمد الفكرة لمجموعة تصف نفسها بأنها "أب وأم العالم" وهم الأعلم بمصلحته، ولهذا فإنه من الممكن أن يتم إبادة مجموعة بشرية كاملة تحت هذا المسمى، مسمى مصلحة البشرية واستمرارها. لا فائدة من الشعب الفلاني، لنقم بإبادته! أو هناك الكثير من البشر، سنطلق فايروس يستهدف آسيا وأفريقيا فيقوم بإصابة نسبة من السكان بالعقم! هكذا سيناريوهات وإن بدت مجنونة وبعيدة عن الواقع ولكنها محتملة في ضوء المعطيات الحالية، وعلى أسلوب الملحدين، لو كان الاحتمال ضعيف جداً لا يعني أنه معدوم، بل قابل للحدوث.

وقد يقفز أحد الملاحدة فيقول: أنتم المسلمون تمارسون القتل والتفجيرات وتطبقون الحدود المميتة على غيركم والمخالفين، وهذا يجعلكم ايضاً قتلة! أقول له يا أيها الملحد، أنا سأسلم لك الآن فقط على سبيل الجدل أنك تركت الإسلام لأنه لم يعد بتلك الجودة، والسيطرة والقوة كلها بيد تلك الدول التي تحكم بواسطة قوانين إلحادية لا أكثر ولا أقل. 


اذاً ما الذي يحدث؟
عزيزي الملحد، القضية كالآتي: 
في يوم ما وصلتم لحقيقة أن لا حل سريع وفاعل وقابل للتنفيذ لينقذ البشرية سوى ابادة نصفها بطريقة "نظيفة" ... 
هل يوجد مانع أخلاقي تحت هذا المسمى؟


اذاً هي حرب مصالح ولا قيمة لا لك ولا لعلمك ولا لأخلاقياتك المفترضة... سيتم ابادتك ان دعت الحاجة لهذا باسم مصلحة البشرية، مهما كانت تلك المصلحة، كما يحدث في قضية الموت الرحيم على سبيل المثال لا الحصر.