الثلاثاء، 8 أبريل 2014

لا اؤمن إلا بالدليل التجريبي، خرافة إلحادية.

بسم الله الرحمن الرحيم

يتحفنا الملحد بالجواب الشهير:
"لا اؤمن إلا بما تثبته التجربة"
وهذه جملة مبتذلة كلاسيكية تطابق الزعم القديم
"لا نؤمن إلا بالحس"

اليوم لن نخوض في دقة الحس من عدمه،
بل سنخوض في نظرية المعرفة حسب فلسفة هيوم وأدمغة بولتزمان.

سنصل إلى نتيجة مهمة:

لا وجود لا للعلم ولا للواقع الخارجي




كبداية مهمة وتأسيسية لابد أن نعرّج على مواضيع تعود فلسفياً لنظرية المعرفة وتوضح الأساس الذي يرفضه الملحد. نحن على خلاف مع الملحد حول الفلسفة العقلية، فالملحد لا يقيم أي وزن لمخرجات العقل مقابل التجريب، بمعنى آخر لا يوجد أي قيمة صحيحة لما لا يثبته العقل وينفيه، فالأصل لما تثبته التجربة. 

ولكن كلامهم هذا ينطوي على مخاطر كبيرة جداً، فهو كلام "تعميمي مطلق" يفترض أن كلامه هو الصحيح والباقين خطأ، بكلمة أخرى، أي أنه خضع لقواعد العقل. قاعدة العقل الأساسية هي مبدأ عدم التناقض، وعدم التناقض هنا نقصد به، ولا نتكلم عن الوجود وأنواعه، أن الفكرة المطروحة إما صحيحة وإما خاطئة، ونقصد هنا الفكرة بكليتها صحيحة أو خاطئة، وبالتالي فهل يقبل الملحد أن يكون كلامه خاطئ ومصيب بنفس الوقت؟ هل يستطيع أن يعترف بمحدودية نظرته؟ إن أقر بهذا فهو ببساطة يفتح المجال لنا كي نعرض نظرتنا وإن كانت خاطئة حسب زعمه وما يرتأيه من أدلة، فالنسبية التي أوقع نفسه فيها تمنعه من الوصول إلى أي يقين. وسنوضح الآن كيف تؤثر فلسفة هيوم على الوصول إلى اليقين. 



أثبت ديفيد هيوم ببساطة (وهو ما قاله الغزالي مع فارق الغاية) أن السببية التي نراها هي نتيجة للخبرة التجريبية، أي شيء تعودناه ورأيناه فاعتبرناه قانوناً، وهذا القانون يبقى قائماً على الاستقراء الناقص، أي على عينة محدودة جداً من الاختبارات وإن بدت كبيرة. وبالتالي فإن هذه الخبرة، أي السببية لا يمكن الاعتماد عليها أبداً في إنشاء أي علم، وهكذا نحن سنفقد الثقة بقدرة العلم على التنبؤ. وإن أضفنا كلام برتراند راسل حول القانون الطبيعي:

.يكفي القول أن القوانين الطبيعية التي كانت حسب نظام نيوتن و لأسباب لا يفهمها أحد واحدة في كل مكان هي الآن بالنسبة لنا مجرد قناعات بشرية. أنتم تعرفون أن 1 متر يساوي 100 سم في أظلم بقعة في الكون. بدون شك هذه نتيجة تستحق الملاحظة و لكن هذا الشيء ليس قانونا طبيعيا. الكثير مما كان يُعتقد انه قانون طبيعي هو على هذه الشاكلة. من جهة أخرى عندما يتطرق المرء إلى الذرة و تصرفاتها يستطيع أن يربح وجهة النظر بأن الذرة تتصرف وفق قوانين أقل مما يعتقده. أي أن القيم المتوسطة التي نأخذها منها تتشابه مع القيم التي تأتي عن طريق الصدفة. معروف وجود القانون بأن رمي نردين (حجري زهر) يعطي الرقم 6 معا بمعدل مرة كل 36 رمية و لكن ذلك لا يمكن اعتباره قانونا (أي التحكم بالنتيجة من قبل من يقوم بذلك). على العكس من ذلك لو حصلنا في كل رمية على الرقمين 6 لاستطعنا القول بأن هناك تحكم و رغبة من قبل الفاعل في الحصول على النتيجة. أغلبية قوانين الطبيعة هي على هذه الشاكلة. حسب وجهة النظر الإحصائية هي قيم إحصائية متوسطة تنبثق عن قانون الاحتمالات و بهذا يظهر لنا أن مسألة القانون الطبيعي أقل إدهاشا لنا منها في الماضي. 

 

وخلاصة كلامه، فالقانون الطبيعي هو مجرد قيم احصائية تنبثق عن قانون الاحتمالات، وبالتالي فإن الطبيعة تنفي وجود قانون فيزيائي حتمي أو حاكم! الطبيعة تعمل وفق الاحتمالات، اذن لا يمكن اثبات وجود أي قانون، بل ما يحصل باختصار في الطبيعة، حسب رأي الملاحدة، هو الاحتمال الأعلى ترجيحاً. ونحن نجد صدى هذا الكلام في الكشوفات الأخيرة التي نقضت القانون الثاني لديناميكا الحرارة، حيث أثبتت أن القانون مجرد حالة احصائية حسب ويكيبيديا:

 it became apparent after the discovery of statistical mechanics that the second law is only a statistical one, suggesting that there should always be some nonzero probability that the entropy of an isolated system might spontaneously decrease; the fluctuation theorem precisely quantifies this probability. 

مقال آخر


إنّ الأشياءَ ذاتَ مقياسِ الحجمِ النانومتري (النانومتر هو واحد على المليار من المتر) مثلَ وحداتِ البناءِ الجزيئية للخلايا الحيّة أو أجهزةِ التقانةِ النانويةِ، تتعرض بشكلٍ مستمرٍ إلى التَصادُماتِ العشوائيةِ مع الجزيئات الأخرى. في بيئةٍ مضطربةٍ مثل هذه، فإنّ قوانين الديناميكا الحرارية الأساسية التي تحكُم عالمنا “الكبير” يجب أن تُعاد كتابتها. فقد وجد فريقُ باحثين دوليْ من برشلونة وزيورخ وفيينا أن الدقائق النانوية التي تَعلَق في فخِ الليزر تخرِق القانون الثاني الشهير للديناميكا الحرارية، وهذا أمرٌ يعد مستحيلاً في مقياسِ الزمنِ والطولِ على المستوى البشري. وقد ابلغوا عن نتائجهم في العدد الجديد من المجلّة العلميةِ الراقيةِ Nature Nanotechnology

نعم، الحقيقة موجعة، فهذا يشي بأن كل قوانينا احتمالية وقابلة للخرق، وبالتالي فهذه مشكلة معرفية. لا يوجد يقين باستخدام العلم. 

إلى الآن لم أتطرق إلى الربط بين كلامي وخرافة الإلحاد والتجربة! وبعد التأسيس الفكري نبدأ بالتوضيح الآن:

هل يعمل عقل الإنسان خارج قوانين الطبيعة؟ سيجيبك الملحد: لا طبعاً. اذن وحسب أعلاه فإن جميع احاسيسك يا صديقي الملحد هي ظاهرة احصائية، وبالتالي لا يوجد امتناع أن تمد يدك في النار فتشعر ببرودة الصقيع، أو تمسك الصقيع فتشعر بحرارة الجمر، أو تدخل يدك في حمض الكبريتيك عالي التركيز فيتحول الحمض إلى ذهب، أو تشرب حديد مصهور، فيتحول إلى يورانيوم في معدتك. هذه احتمالات ضعيفة ولكن هل يوجد لديك دليل سوى الخبرة بأنها لا يمكن أن تحدث؟ لاحظ إني أوافقك نوعاً ما أن هذا غير ممكن، ولكن وبنفس الوقت لا أستطيع أن أقول أن هذا ما حدث وهذا ما سيحدث لابد. أنت هكذا تكسر أصلاً قانون الاحتمالات وتقود نفسك لحتمية!

اذن الاحساس بالضرورة سيخضع لتلك القوانين الاحتمالية ولا يمنع أن يكون احساسي يخدعني فهو يرى الشمس مضيئة بينما هي قد تكون قمراً والقمر قد يكون شمساً وقد أرى الليل بينما الدنيا نهار وهكذا. وطبعاً أكبر مثال على خداع الحس، هات ماء فاتر، ثم ضع احدى يديك في الثلاجة والأخرى في الماء، بعد فترة اخرج يدك من الثلاجة وضعها بالماء الفاتر، ستشعر بأن الماء الفاتر ساخن، ولكن فقط تلك اليد التي كانت في الثلاجة ستشعر بهذا. اذن لا يمكن أن نثبت شيئاً بالحس فهو نسبي ومتغير. حتى الدماغ يخضع للتفاعلات، خذ الحشيشة والمخدرات والمسكرات، لربما سترى العصعبون يتكلم معك (العصعبون شخصية خرافية انا اخترعتها).  


نعم، فكل العلم والمعادلات وما نراها من أمور هي امور احتمالية والتأسيس والثقة قائمة على الخبرة الماضية لا أكثر، ولا يمكن أن نعطي الخبرة هذه المجال للتحكم بنا.
اذا تم كسر القانون الثاني لديناميكا الحرارة كما نعرف، واذا كانت هناك معادن تتقلص بالحرارة: Unusual Material That Contracts When Heated Is Giving Up Its Secrets To Physicists كل هذا يعني باختصار أن الخبرة والقوانين قابلة للتغير، بلل حتى الإحساس لن يكون صادقاً فهو ظاهرة محدودة تشعر بأمور محدودة وقابل للخداع والتغير. 

اذن: لا يمكن الاستدلال بالحس أبداً والتجربة، فالتجربة وإن حصلت تبقى أيضاً استقراءً منقوصاً ولا يمكن تعميمه: نتائجك صالحة لتجربتك، وتحليلك أيضاً ناقص، بالاضافة إلى أن القياس فيه دقة ونسبة خطأ ولا يمكن أن نصل إلى قياس دقيق أبداً. تذكروا مبدأ عدم اليقين لهايزينبيرغ، هل تعلمون أننا لا يمكن أن نقيس كمية الطاقة لجسيم دون ذري بدقة؟ نعم. هناك لا يقين. اذن اليقين الناتج من التجربة والقياس عبارة عن حالة وهمية.

بعد هذه الصدمة، سيقول الملحد ولكن الإحساس والتجربة دليل على وجود شيء خارجنا ودليل على تغير، ونحن نؤمن بالتجربة لأنها تخبرنا عن تغير خارجي وليس بالضرورة أن يكون الأمر خاضع للقوانين البشرية العلمية. الجواب بسيط: 
أدمغة بولتزمان. 


حتى لا يعترض علي أحد، فإن خرق القانون الثاني لديناميكا الحرارة يستمر لمدة قصيرة ثم يستعيد الكون اتزانه من جديد، وبالتالي هو لا يبطله، والقانون الثاني صالح بشكل ممتاز للقياسات الكبيرة، أي عالمنا المنظور. ومن هنا ننطلق إلى أدمغة بولتزمان لنوضح ما هي حسب موقع الأوان:

أدمغة في الفضاء

سميت أدمغة بولتزمان نسبة إلى عالم الفيزياء لودويغ بولتزمان Ludwig Boltzmann من القرن التاسع عشر، وهو رائد في شرح الحدثيات الفيزيائية الافتراضية. كان يعتقد أن كل الأشياء تبدو محتملة في الكون اللانهائي، حتى التراكم العشوائي للذرات التي تقلد بدقة الأشياء التي تتطور بحدثيات السبب والنتيجة، مثل الأدمغة. وفي مكان ما من الأكوان، أدى خلط عشوائي للجزيئات إلى إنتاج دماغ مطابق لدماغ إنسان ما من جميع الوجوه، مع عصبونات وذواكر وإدراكات. ويمكن أن تصبح أدمغة بولتزمان كثيفة تماماً، إذا وجدت قربها مادة وطاقة بما يكفي لصنعها، مما يجعلها المراقبات النموذجية للأكوان. وإذا سيطرت أدمغة بولتزمان على الأكوان، فسيصبح البشر نادرين، لذلك فإن وجودنا الفعلي يدل ضمناً على أن الكون الصالح للسكنى المعتدل يجب أن يكون شاباً بما يكفي لكبح بقايا تركيبة أدمغة بولتزمان.
والآن ما هو دليلك سوى الخبرة السابقة أيها الملحد أنك لست سوى "دماغ بولتزمان"؟ ما دليلك أنك لا شيء سوى خلية عصبية طافية في الفضاء؟ ويقول أحد الملحدين (ومن لسانك أدينك):
اثناء قرائتي عن هذا الموضوع على الانترنت, لاحظت وجود مواضيع تتحدث عن:
1.احتمالية ان نكون نحن مجرد ادمغة بولتزمان, وان كل ذكرياتنا و ما نشاهده قد يكون مجرد امور عشوائية لا وجود مادي لها!
2.ان كوننا قد يكون مراقب من قبل ادمغة بولتزمان تتحكم او تؤثر فيها بدور يشبه دور الآلهة


فأخبرني أيها الملحد ما هي حجتك ضدنا؟ هل تستطيع أن تثبت وجودك سوى اقناعنا بالخبرة السابقة؟ وهل أدمغة بولتزمان هذه حقيقة أم فرضية وما دليلك؟ ستقول لي التجربة؟ قد بينا أن الإحساس أصلاً غير قابل للثقة. ستقول لي الخبرة السابقة؟ سأقول لك القوانين تتغير وتتبدل، فلا يمكننا أن أبداً أن نثق بالخبرة الحالية ونفرضها على الماضي والمستقبل. نعم نحن الآن نمر بفترة استقرار، وقد تستمر مليار سنة أخرى، ولكن ما دليلك أن الخبرة التي تملكها ستعمل بعد المليار؟


خلاصة الأمر: لا التجربة تفيدك، ولا الإحساس يفيدك ولا حتى أدلة العقل تفيدك، فأنت أيها الملحد ناكر للعقل وغير قادر على اثبات حجية الإحساس وبنفس الوقت لا تملك أي دليل على وجودك وأنك مجرد وهم في عقل بولتزمان آخر. 

والسلام ختام.

الإسلام الطقوسي والاقتصاد

بسم الله الرحمن الرحيم يعيش اليوم الإسلام الطقوسي مرحلة حرجة تقوده باختصار لاختراع الاحكام الشرعية اختراعاً عن طريق استقطاع النصوص وال...