الخميس، 17 أبريل 2014

نظرية التوازن: وجهة نظر شخصية.

بسم الله الرحمن الرحيم

لا أستبعد أن تجدوا كلامي في مراجع أخرى أو تطابقاً بين رأيي ورأي من سبقني، فالعقول البشرية وإن اختلفت إلا أن نتاجها يبقى محدوداً نوعاً ما مع التأكيد على وجود الطفرات والقفزات، والتي لا انتمي إليها ولا أملك منها شيئاً.
ليس الأمر سوى هواية تطورت لتكون شغفاً والشغف تحول إلى كيان نحياه.


من غرائب الحياة وعجائبها، ليس تعقيدها، طبيعة سير الأنظمة نحو الاستقرار، فأنا لم أشاهد نظاماً مادياً وإلى له سعي باتجاه الاستقرار. نحن نرى الماء يتجمد فيزداد انتظامه سعياً لتحقيق الاستقرار، فان اختلت الظروف اختل توازنه فينصهر سعياً للاستقرار، والإنسان يتكون من بيضة وحيمن فيزداد التعقيد، ويستمر بالنمو ثم ينهار تجاه الموت سيراً نحو الاستقرار بعد أن كان استقراره تجاه النمو. 

وهكذا فإني أرى، وهي وجهة نظر شخصية، أن النظم تسعى نحو الاستقرار، فلا تعني الفوضى ولا التنظيم شيئاً لي إلا أنها أوجه من وجوه السعي للاستقرار. وإن قمنا بتحويل كلمة استقرار لكلمة توازن فلن نجحف الموضوع حقه، فالاتزان أكيد هو استقرار، بل هو استقرار مريح! هذا رأيي.

في نقطة أخرى تم عرضها علي حول سبب ميل حركة الغازات للفوضى عند زوال الحاجز والمانع، أقول أن القارئ الكريم ربما قد أغفل كلمتي المقتضبة والمختبئة بين السطور "فلا تعني الفوضى ولا التنظيم شيئاً لي إلا أنها أوجه من وجوه السعي للاستقرار" وربما أحب الاستزادة. جوابي له: إن الوصول للاستقرار لا يعني الوصول للموت أو قمة التنظيم، بل الوصول إلى نقطة بحيث تشعر بأنك مرتاح مع المحيط. فالغازات إن زال الضغط عنها فهي ستسعى للتخلص من أي بقايا للطاقة عن طريق الحركة العشوائية أو الحركة البراونية، وستبقى هائمة بتلك الحركة لا تزداد ولا تنقص حتى يحدث سبب آخر يخلخل حركتها. 

فأن نظرنا للشعوب التي تعيش القهر والكبت، فبمجرد زوال الضغط، تندفع كما الغاز للتخلص من الطاقة الزائدة المختزنة فيها. فتلك فوضى تقود للاتزان. ولكن هذا الاتزان لن يكون بنّاءً كمرحلة أولى، إنما يؤسس لما بعده كي ينهض ببنيان وأساس جديدين. ومن كل هذه الفوضى سينبع الفكر المتجدد، هذا رأيي.


نقطة الاتزان، موجودة كانت أم لا، فنحن قادرون بكل تأكيد على خلقها عن طريق صنع التفاعلات المناسبة التي تجعلنا نتزن. من واقع فهمي لميكانيكا نيوتن فإن دوران جسمين حول بعضهما البعض يولد مركز دوران وهمي غير موجود لهما. اذن مركز الدوران هذا شبيه بنقطة الاتزان، فهي جزء من النظام وإن لم تكن "ظاهرة". 

اذن في بحثنا عن التوازن لا يجوز أن نقول أن نقطة الاتزان هي نتيجة لما نريد، بل هي مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بما نبحث عنه ونجده، ونحن وإن لم نجد نقطة اتزان واضحة أحياناً لا يمنع هذا أننا نقترب منها في خطى حثيثة.



ولكن بعد تلك المقدمة القصيرة المملة ما هي نقطة الاتزان؟ قبل أن تقرأ جوابي أطلب منك أن تتوقف قليلاً وتحاول أن تجيب في نفسك، ماذا يقصد الكاتب بنقطة الاتزان؟

                   

نقطة الاتزان هي النقطة التي إن وقفت عليها فإنك تستطيع الاحاطة بالتناقضات وفهمها، بل وتطوير نفسك لاستيعاب مزيداً من التناقضات أكثر فأكثر، ومع هذا فلا تتزحزح عن أساسك الذي تراه نقطة مرجعية لرؤية أمور كثيرة، وبنفس الوقت لا يوجد امتناع من نمو الأساس وتغييره بما يتلائم والأساس القديم من جهة والمعطيات الحديثة من جهة أخرى، فلا تكون العملية هدماً ولا تخلصاً، بل نمو وتطوير. هذا ما أراه في الاتزان. 




نتائج نظرية التوازن:




ألخص نتائج نظرية التوازن في نقاط بسيطة:
أولاً وقبل كل شيء شعور النفس بالراحة تجاه الاختلاف، سواء أكان الاختلاف ذاتي أو خارجي، بمعنى أن أكون أنا مختلفاً أو المقابل مختلف.

ثانياً، أخذ موقف صحي من الاختلاف، فأنا أقرر إن كان من الجيد أن أتعامل مع المختلف أو أتجنبه فحسب محترماً اختلافه.

ثالثاً، الانفتاح على الآفاق المعرفية الجديدة واكتشاف الجوانب المشتركة بين الأمور التي في ظاهرها متناقضة والاختلافات في الأمور التي في ظاهرها متشابهة ومتطابقة (باقتباس من فلسفة التضامر). 

رابعاً، التسامح الديني، مع الحفاظ على النظرة الناقدة للمنهج المختلف، فالتسامح لا يعني القبول الكلي والخنوع، بل يعني فهم الاختلاف وتقبله ورسم حدود حوله. وقد تم الاعتراض على هذه النقطة بالذات بقولهم إني أقول أن فلاناً يملك الحق وفلاناً لا يملك الحق، وأن منهجي هو الأقوم ومنهجهم أقل "قوامة". أقول: كلام صحيح وفيه نظر، مع إني لم أقصد هذا أبداً، ولكن أحياناً يقول المرء شيئاً لا يدرك أبعاده كلياً كما حصل معي هنا. إنما أنا لا أعتقد أولاً بمطلقية منهج فوق منهج لأن المناهج تتكامل ولا تتعارض كما صرحت سابقاً في مقالي عن العقل والإيمان. ومع هذا فإني أحتفظ لنفسي بحق الانتقاد والتعرض للانتقاد من الجهات التي نثق بعقلها وعلمها. 
في هذا المنهج وهو الأهم لا وجود للتنازلات ولا للصراعات حول التنازلات، إنما وجود للقبول والمحبة أكثر. فحتى إن وجدت فلاناً يخالفك في معتقدك فلا يمنع أن ترتبط معه بآصرة نفسية روحية معينة، تتشاركان فيها النظرة إلى العالم. ومن يعلم فقد يفتح لك على يديه آفاق أوسع. ونقطة استطرادية: لماذا أتكلم عن الدين؟ لأن التسامح الديني في نظري حالياً هو المهم والمطلوب. ولكن تبعات هذه الفكرة يجب أن تمتد لتشمل حتى المخالف الفكري كلياً. إن كنت ضد أفكارك لا يعني إني ضدك، ولكني أحتفظ بحق التعامل معك من عدمه. 

خامساً وهو الأهم برأيي: القدرة على تغيير بعض المعتقدات الأولية المسبقة، وبالتالي تغيير في إطار الفكر ونموه. فطالب الحق لا يزعجه أن يكون من يخالفه على حق بل ويتعلم منه.




مخاطر الابتعاد عن روح التوازن:


تتطلب منك نظرية التوازن إن طبقتها أن تكون أولاً مطلعاً بشكل جيد على مشاكل العلم ولديك ثقافة اجتماعية جيدة، فلا تتحول بسببها لمنهج إلحادي إنساني ولا إلى منهج إيماني منغلق. فنظرية التوازن تجعلك قادراً على الارتباط والتفاهم مع الجميع. 

من أسباب اختلال التوازن الضعف العلمي، مما يجعل الشخص لا يميز بين الاطار الفكري والعلم الحقيقي. ولهذا فعلى من يبحث عن التوازن أن يقرأ في كل العلوم على قدر الاستطاعة ويحاول فهم أساسياتها وفق الطاقة. 

التعصب الفكري أحد أسباب اختلال التوازن، ومن الأخطاء الخطيرة في تطبيق نظرية التوازن أن تصبح متعصباً لفكرتك. ميّز بين الثقة والتعصب، فالتعصب سيعميك عن الحق، بينما الثقة ستجعلك تختبر فكرتك بأماكن أكثر بحثاً عن نظرية أشمل. 

الخطر الأكبر: الألم النفسي، فأنت ستتألم نفسياً وتتعب وأنت تبحث عن الحقيقة، ولهذا ستجد أن المناهج يجب أن تتكامل ولا تتراتب حتى تصل للحقيقة. 


في الختام، أود ان أقول أن نظرية التوازن حالياً أعطت مردودها عندي وهي فتحت عقلي على قلبي ولم تجعلني اتخلى عن أسسي الدينية ولا الأخلاقية ولا الفكرية، ولكنها بصرتني بحدود عقلي ومعرفتي وافتقاري الذاتي.

متمنياً لكم المزيد من الهداية واليقين.

دمتم بود