الاثنين، 23 ديسمبر 2013

نافذة على الفلسفة - الدرس الأول


بسم الله الرحمن الرحيم 

الحمد لله رب العالمين وبه نستعين
فقد وقعنا على كتاب مبسط تحت عنوان
"نافذة على الفلسفة" 
يقدّم شروحاً فلسفية مبسطة نوعاً ما فأحببنا أن ننقلها لكم
آملين أن ينال رضاكم جميعاً

تذكروا
الـبـاحـث عن الحق والحقيقة يقرأ بعقلية متفتحة





الدرس الأول

نبذة تاريخية فلسفية










(12)


 

نبذة تاريخية فلسفية


لازم التفكير وجود الإنسان منذ نعومة أظفاره إلى يومنا هذا، وترك آثاراً مهمّة في حياته حيث خلق انعطافات وتحولات مهمّة في مسار حركته، وطوَّر أسلوب تعامله مع محيطه على مختلف الميادين والصُعد.

وبهذا اختلفت حياة الإنسان المتطورة عن حياة الحيوان بقوالبها الجاهزة والجامدة، فكم تجد الفارق واضحا بين بيوت الإنسان التي كانت في حدود الكهوف والمغارات والتي تطورت إلى عمارات ناطحات للسحاب، وبين بيوت النحل السداسية ذات الأشكال الجامدة التي لم يكتب لها تغيير منذ أن وجد هذا الحيوان ولحد الآن.

والفكر الفلسفي الذي أثارته وأفرزته تساؤلات الإنسان عن الكون والحياة، والمبدأ والمعاد، كان أحد المحاور الفكرية التي استقطب اهتمام البشر من لدن آدم ولحدِّ الآن، ودفعه صوب التأمل والنظر، ومن ثم نحو الإبداع والابتكار في هذا المجال، وقد كان لحكماء الفرس واليونان قصب السبق في ذلك على بقية الأمم وكان ذلك قبل الميلاد بعدة قرون حيث طفحت على سطح مناظراتهم و


(13)



تأملاتهم الفلسفية العديد من الآراء والنظريات، التي كان يسودها الاتزان تارة والتهافت والتضارب تارة أخرى، وفي ذات الوقت النمو والثراء بفعل التلاقح الفكري الحر الذي وفّرَ أجواء خصبة لذلك.

وفي ظل هذه الظروف برزت تيارات الشك والسفسطة واحتلّت مساحة واسعة من التفكير الفلسفي، بعد أن احتل أربابها وهم السوفسطائيون، منابر التعليم والخطابة والمحاماة، وأنكروا حقائق الأشياء ووجودها الخارجي، فانعكس ذلك على أذهان الناس وخلق عندهم بلبلة ذهنية وشكاً بكل حقيقة مهما كان طابعها، وكان ذلك في القرن الخامس قبل الميلاد.

ولم يستمر الوضع على هذا الحال حيث تصدى سقراط لعلاج الموقف بقوة، وتبعه على ذلك أفلاطون، وتلاهما أرسطو طاليس الذي أسّس قواعد الاستدلال والتفكير الصحيح في علم المنطق، حيث كشف عن زيف السفسطة ومغالطتها ومنزلقاتها التي أودت بالتفكير الإنساني إلى الهاوية. وبذلك تربع اليقين على عرشه، وعادت مياه الحقيقة إلى مجاريها وتلاشت تيارات الشك والإنكار، وعلى هذا المنوال استمر الحال حتى بعد رحيل العمالقة الثلاثة؛ سقراط وأفلاطون وأرسطو، حيث استمر تلامذتهم في ترويج أفكارهم، فدفعوا عجلة اليقين إلى أمام.

إلا أن مكانة هؤلاء أخذت بالتهاوي بين الناس بمرور الزمان، فتقلص دورهم وقلّت أهميتهم، فشدّوا رحالهم إلى الإسكندرية، لتكون محطة جديدة لنشر

 

(14)

 


أفكارهم وتداول معارفهم واستمروا على هذا المنوال حتى القرن الرابع بعد الميلاد.

وفي هذه الفترة اعتنق إمبراطورُ الروم المسيحيةَ، وتبنّى أفكارها باعتبارها آراء الدولة الرسمية، إلا أنه في ذات الوقت فتح أمام العلماء أبواب النقد لطرح آراءهم ووجهات نظرهم، وعلى أثر ذلك تدهورت الأوضاع وتفاقمت الأمور بفعل التعارض والتضارب في وجهات النظر بين الكنيسة والعلماء مما دفع الإمبراطور (جستنيان) إلى إصدار أوامره بغلق المراكز العلمية والجامعات والمعاهد الفكرية، وتعطيل المدارس في أثينا والإسكندرية، ففر العلماء خوفا من البطش والتصفية الجسدية، وحينها انطفأ مشعل العلم وانتكست راية المعرفة، ومنها دخلت أوربا في عصورها المظلمة، والتي تسمى أيضا بالقرون الوسطى، حيث استغرقت ألف عام من الزمان، وعلى نحو التحديد من أوائل القرن السادس بعد الميلاد وانتهاءً بالقرن الخامس عشر بعد الميلاد وامتازت هذه الفترة باستيلاء الكنيسة على المراكز العلمية استيلاءً تاماً؛ فكانت المباحث العلمية والفلسفية تفرضها الكنيسة على أنها تعاليم دينية لا تقبل النقاش.

 

(15)



وفي هذه الفترة بالذات ازدهرت الحركة العلمية في شبه الجزيرة العربية بفضل نور الإسلام، الذي ولد هناك في تلك الفترة وقد أضاء كل شيء، وبدت حينها حركة علمية تنشط وتتفاعل وتتلاقح وتنمو بفضل ما حث عليه الدين الإسلامي من طلب العلم من المهد إلى اللحد، حتى ولو كلف ذلك خوض اللجج وسفك المهج، وحتى ولو كان في الصين، وبالفعل فقد برع المسلمون في جميع حقول العلم والمعرفة، ومن جملتها الحقل الفلسفي، فترجموا كتب اليونانيين والرومانيين والإيرانيين إلى اللغة ‏العربية، وانهمك آخرون كالفارابي (1) في تبيان وشرح أفكار أفلاطون (2) وأرسطو (3)، وتبعه على ذلك ابن سينا (4) حيثُ سلط
 


1. الفارابي: (أبو نصر محمد) (ت 950 م) فيلسوف لامع. ولد في فاراب «تركستان» ودرس في بغداد وحران وأقام في حلب في بلاط سيف الدولة الحمداني وتوفي في دمشق، لقب بالمعلم الثاني، من مؤلفاته كتاب «الموسيقى الكبير»، «السياسة المدنية»، «رسالة فصوص الحكم».
2. أفلاطون «plato» ـ (347 ـ 428 ق.م) فيلسوف يوناني يُعَدّ من مشاهير فلاسفة العالم، ولد في أثينا من أسرة عريقة في المجد، بدأ أول دراسته بالرسم، ثم نظم الشعر، تتلمذ في سن العشرين على يد سقراط الذي كان له الدور الأكبر في نشأته الفلسفية.
3. أرسطو «Aostotet» ـ (322 ـ 384 ق.م) مربي الإسكندر ومن كبار فلاسفة اليونان، مؤسس فلسفة المشائين، من مؤلفاته: «المقولات»، «الجدل»، «الخطابة»، «السياسة»، «كتاب ما بعد الطبيعة»، أثر في الفكر العربي ومن أول من ترجم مؤلفاتهِ، إسحاق ابن حنين.
4. أبو علي بن سينا: «384 ـ 427 ه» ولد في أقشنة قرب بخارى وتوفي في همدان، عُرِف بالشيخ الرئيس وكان عالماً لامعاً وعملاقاً كبيراً حيث ضرب في كل فن بسهم وتجلى فيه نبوغه، ففي مضمار الفلسفة فيلسوف مبدع، بلغت الفسلفة المشائية على يده القمة، وفي مضمار الطب طبيب ماهر وحاذق، ألّف كتاب «القانون» الذي لم يزل يُدَّرس في الجامعات العلمية عبر قرون، كما وإنه عرف أستاذاً لامعاً في الرياضيات والهيئة.


(16)



الضوء على فلسفة ومنطق أرسطو وبذلك ظهرت المدرسة المشائية في بلادنا الإسلامية.

وفي أواسط القرن السادس الهجري، شرح الشيخ شهاب‏ الدين السهروردي (1) أفكار أفلاطون بعد أن هواها ودافع عنها، وبذلك أسس الفلسفة الإشراقية في بلادنا الإسلامية ونقد الفلسفة المشائيّة.

وفي مطلع القرن الحادي عشر الهجري، ظهر صدر المتألهين الشيرازي (2) بآراء وأفكار فلسفية جديدة على ضوء القرآن وكلمات الرسول (صلى ‏الله ‏عليه ‏و‏آله) وأهل ‏البيت الطاهرين (عليهم‏ السلام)، وأسماها بالحكمة المتعالية. (3)

المدرسة المشائيّة تتمثل بفلسفة أرسطو طاليس حيث كان يعتمد في أبحاثه على الأسلوب الاستدلالي وسميّت فلسفته بهذا الاسم، لأنه كان يسير من
 


1. شهاب ‏الدين السهروردي: «550 ـ 587 ه» صاحب مدرسة الإشراق في بلادنا الإسلامية وقد عرض آراءه بالنثر والشعر باللغتين العربية والفارسية، وله مصنفات منها: التلويحات اللوحية والعرشية، والألواح العمادية وهياكل النور.
نشر أفكاره في حلب مما ألب الناس عليه واتهموه بالكفر مما دعى صلاح ‏الدين الأيوبي أن يأمر ابنه الملك الظاهر بقتله فاستُشْهِد على يده في قلعة حلب وفي شهر رجب.
2. صدر المتألهين الشيرازي: «979 ـ 1050 ه» وهو محمد بن إبراهيم المعروف بصدر المتألهين، ولد في مدينة شيراز، وهو عالم شيعي كبير، تعرف فلسفته بالحكمة المتعالية، من أشهر كتبه «الأسفار الأربعة». وَعُرف أيضاً باسم الملاّ صدرا.
3. يراجع من أجل الإلمام بتفاصيل هذا الدرس: كتاب المنهج الجديد لتعليم الفلسفة للأستاذ مصباح اليزدي، وكتاب فلسفتنا للشهيد السعيد محمد باقر الصدر، وكتاب تاريخ الفلسفة اليونانية ليوسف كرم.

(17)



المقدمات إلى النتيجة وكان من الأولى تسمية فلسفته بالفلسفة الاستدلالية في مقابل الفلسفة الإشراقية التي نادى بها أفلاطون، الذي كان يرى بأنّ المعارف بالخصوص الإلهية منها، لا تتأتى عن طريق الاستدلال العقلي فحسب، بل لابد وأن يوجد إلى جانب ذلك سير وسلوك وتهذيب أخلاقي يبعث إشراقات وإفاضات للمعارف الإلهية على القلب. وقد تشعب الفلاسفة المسلمون على غرار ذلك إلى فلاسفة مشائين يتقدّمهم أبو علي ابن سينا، وفلاسفة إشراقيين يتزعمهم شهاب ‏الدين السهرورديوأما الحكمة المتعالية فهي اسم اختاره صدر المتألهين الشيرازي لفلسفته التي حاول من خلالها التقريب بين الفلسفة المشائية الاستدلالية وَبين المدرسة الإشراقية وبين ما جاء في الكتاب والسنة الشريفة من أحاديث وروايات.


(18)


1 ـ متى بدأ التفكير الإنساني؟ وبماذا يختلف الإنسان عن الحيوان في تغيير وتطوير محيطه الذي يعيش فيه؟
2 ـ ما هو الباعث من وراء نشوء الفكر الفلسفي؟ ومن كان من بين الحكماء له قصب السبق في ذلك؟ ومتى؟
3 ـ ما هي الظروف التي أنجبت تيارات الشك والسفسطة؟ ومن هم أربابها؟ ومتى تسنى لها الظهور؟
4 ـ اذكر عمالقة الفكر الفلسفي الذين تصدوا لمواجهة اتجاه الشك وأحلوا اليقين محله؟ وكيف استمر اتجاه اليقين بعد مماتهم؟ وإلى أي مصير انتهى أمر أتباعهم؟
5 ـ ما هي الظروف التي أودت بأوربا إلى فترة القرون الوسطى؟
6 ـ ماذا جرى في شبه الجزيرة العربية إبان فترة القرون الوسطى؟
7 ـ اشرح ما يلي:
أ ـ المدرسة المشائية
ب ـ المدرسة الإشراقية
ج ـ مدرسة الحكمة المتعالية