مرحبا, بناء على طلب الصديق Hamza Esaadie ارتأيت أن أكتب خلاصة افكاري فيما يخص وجود او عدم وجود الاله.
الشخص العقلاني هو الشخص الذي ينظر الى الكون, ويطرح اسئلة علمية تقود الى التفكير الفلسفي :
1) لماذا هناك بلايين المجرات, بلايين الكواكب, وربما بلايين الاكوان ايضا؟؟ ولماذا لم تنشأ الحياة الا في أحدها؟
2) لماذا نحتاج ملايين الحيوانات المنوية لتلقيح البويضة بحيوان منوي واحد؟
3) لماذا نحتاج ملايين المجرات و الكواكب ليظهر كوكب واحد على الاقل بعيد عن شمسه بنفس بعد الشمس عن الارض؟؟
4) لماذا تطلب تشكل المناخ المناسب على الارض ملايين السنين
5) لماذا انتظرت الحياة ملايين السنين لتظهر على سطح الارض.
خلاصة الاسئلة فوق : الكون يسير بطريقة احتمالية وليس بطريقة غائية مباشرة. فعندما يريد النجار صنع كرسي, فإنه لا يصنع ملايين الكراسي العوجاء ليصل الى الكرسي الصالح للجلوس, بل يصنع الكرسي الصالح للجلوس من اول لحظة.
اذا اراد مصنع السيارات صنع سيارة, فهو لا يصنع السيارات الغير صالحة للاستعمال ويرميها جزافا, بل يصنع السيارة الصالحة للاستعمال من اللحظة الاولى.
هذا هو الفرق بين الغائية و الاحتمالية.
طبعاً قضية لديه مبنية على المنهج الأرسطي بشكل واضح، حيث يُعرّف أرسطو العلّة الغائية هي ما يوجد الشيء لأجله، وهنا السيد محمد يطلق اعتراضاً كلاسيكياً مطروقاً مبني على أساس العلّة الغائية ومصادرة أن حجم الكون مثلاً أو عدد الحيوانات المنوية الضخم، لا يجعلان الغاية واضحة. كيف هذا؟ طبعاً هو أساء التوضيح والشرح، ولكن لخبرتي في مواضيع الإلحاد استطعت رؤية أبعاد كلامه، فسأقوم بشرحها لكم بشكل مبسط:
بما أن الله هو الخالق، وهو يخلق لغاية، اذن لا مبرر لوجود كمية كبيرة من المادة والزمن المهدورين في عملية الخلق. ومن هنا ينطلق إلى كون عملية الخلق الحادثة بالكون ليست دليلاً على الغاية أبداً بل هي خبط عشواء، وكان دليله على هذا اتساع الكون والزمن الكبير والهدر في الموارد. وهذا اعتراض وجيه في ضوء أسسه لكن صديقنا لديه خلط بين مفهومي الحكمة والغاية. فلو حاكمنا مفهوم الغاية هنا اذن سأجيبه باختصار شديد: ماذا يمنع أن يكون الإله عابثاً؟ هل يوجد مانع أن يكون الإله شاعراً بالملل فأحب أن يتسلى؟ طبعاً إن استخدم هذه الأسس في نقض الإله، لعَمري إنه الهوان. ولهذا فهو سقط لغوياً قبل أن نستطيع الخوض في مسألته، ولكني أحب الخوض في المسألة والافتراض أكثر حتى أثري محتوى الحوار.
اذن القضية في حقيقتها هي الحكمة فكيف السبيل للرد؟ أول طريقة للرد باختصار شديد هي طريقة رمي الحجر مسافة أبعد بأن نجعل المقابل غير قادر على الحكم أو الوصول إلى نتيجة صحيحة يقيناً، وهذا يتم عن طريق وضع مصادرة معروفة: عدم فهم الحكمة لا يعني غيابها. طبعاً صديقنا هنا، لن يدرك القضية، وإن أدركها لن يقول بها، فهو ينطلق من منهج مادي 100% وبالتالي فالحكمة لا علاقة لها بالمنهج المادي، اذن سيدخل صديقنا بالتناقض الذاتي مع نفسه فنكشف أول نقطة: تساؤله عن الحكمة في ضوء منهج يُثبِت غياب الحكمة والغاية؟ كيف لهذا أن يتم؟ هذه متروكة له لا لنا ليجيب عليها. لكن إن قال بأنه مشى خلف فرضياتنا، وبالتالي هو يلزمنا بحجتنا، أقول له الحق معك. وهذا يقودنا إلى قضيتين:
الأولى: حكمة الإنسان غير موجودة، بل فقط حاجته، وما وصفناه بالحكمة باختصار هو وصف لصناعة متقنة، فالحكمة غير موجودة سوى في عقولنا، لأنها مفهوم اعتباري وهمي.
الثانية: إدراك الإنسان لصفات الأشياء بطريقة لا وجود لها في الواقع يفتح عليه أبواب جهنم العقلية، فهو إما يقول بوهمية العلم والمعرفة ككل كونها تتبع نفس بوابة نشوء المفاهيم العقلية، وإما يقول بأننا قادرون على استنتاج الحكمة وبالتالي استنتاج قوانين الكون وهذا يعيد الحكمة للساحة وبقوة.
أيضاً يقع صديقنا في مغالطة نقدها الفيلسوف ديفيد هيوم، حيث اعتبر الاستقراء دليل يقيني في قضية أن الكون احتاج مليارات من السنوات كي يتكوّن فأقول له ما دليلك؟ هل أخضعت الكون للتجربة بشكل كامل أم أنها مصادرة مبنية على استقراء الأنماط الحالية ثم افتراض أن ما يحدث الآن هو ما حدث سابقاً بالضرورة، أي افتراض أن قوانين الفيزياء لم تتغير. هذه مصادرة مبطنة عزيزي محمد تقي، وهي مشكلة عميقة لا يدركها أصحاب المنهج المادي. بمجرد طرح تشكيك حول مطلقية صلاحية قوانين العلم سيؤدي لشل حركة المقابل فيقول لك: انظر كيف كنا وأين أصبحنا بفضل العلم، فما نحن فاعلين بدونه؟ أقول إن كون العلم يعمل ليس دليلاً على أن العلم مطلق، بل هو دليل على إنه يعمل فقط.
اذن خلاصة القضية أعلاه: غياب الحكمة، وليس الغاية، ظاهرياً، فغياب الغاية لا يعني انتفاء الحكمة. ربما لم يكن لدى الإله أي غاية من الخلق، ولكن كونه "حكيم" و "عليم" وضع الخليقة بهذه الطريقة القابلة للتعقّل. بمعنى أن العقل قادر على معرفة الكون وفهمه بشكل مقبول نسبياً.
بهذا تنتهي القضية الأولى.
نأتي الان على احتمالات نشوء خلية حية على سطح احد الكواكب : صحيح أن العلم لم يتحدث في امكانية حدوث ذلك, السبب بسيط وهو :
1. علم البيولوجيا أبحاثه مستقلة عن علم الفيزياء و الفلك. ولهذا فعلماء البيولوجيا يتحدثون عن نشوء الحياة على سطح الارض فقط, دون الحديث عن الكون ككل.
2. علم الفيزياء يتحدث عن عمر الكون, وحجمه, و عدد المجرات, لكنه لا يخوض ابدا في احتمالات نشوء الحياة في احد الكواكب.
لكن الانسان العقلاني : يجمع معطيات الفيزياء, مع معطيات البيولوجيا ويبني أراءه الفلسفية عن وجود الاله (او عدم وجوده بناء على المعطيات المتوفرة).
وهنا أقول : كل شخص يصل لحقيقة مختلفة بالبحث , هناك من يصل الى وجود الاله, هناك من يصل الى عدم وجود الاله, وهناك من يصل لا الى هذا , ولا الى ذاك.
شخصيا, انا وصلت الى نقطة صعبة جدا : وجود الاله بنفس منطقية واحتمالية وجود متعدد اكوان.
بالنسبة لاحتمالات نشوء الحياة على كوكب آخر، أحب أن أقول لك أنك مخطئ، فالعلم تحدث في خصوص احتمالية نشوء الحياة على كوكب آخر، لكن الحدود المعرفية للبشر تجعلهم يفرضون نمطاً معيّناً للحياة خصوصاً تلك المعتمدة على الكاربون والماء، وبالتالي هذا يضيّق نطاق البحث كثيراً بدلاً من توسعته، وطبعاً نعذر العلماء فهذه هي طاقتهم البحثية.
لكن كيف نستفيد من نتاج احتمالات نشوء الحياة في قضية اثبات وجود الخالق؟ ببساطة هي مصادرة إيمانية معروفة ببرهان النظم، ولكم أن تراجعوا بعض المتكلمين لتجدوا أن برهان النظم في ذاته ليس يقينياً كما هو برهان الإمكان كون برهان الإمكان يقوم على أسس عقلية والتي هي أن كل موجود يحتاج إلى موجِد واستحالة امتداد سلسلة العلل إلى ما لا نهاية (وهذا ما سيقع فيه صديقنا لا إرادياً لاحقاً). اذن أنا أرى أن دقة الحياة لا تصلح دليلاً على وجود الإله، ولا تصلح أيضاً دليلاً على الغاية، ولكنها تصلح كدليل نسبي على الحكمة، اذ أن لهم اعتراضاتهم (أقصد التطوريين) على كلام المؤمنين حول الاعضاء الأثرية مثلاً. وقد نقدت مفهوم العيوب في مقال منفصل تجدونه على هذا الرابط:
وبهذا فأنا أعتبر أن الكلام أعلاه أيضاً لا يمت بصلة لقضية الغاية أبداً، بل كلها اعتراضات مبطنة حول حكمة الله، وفي دائرة أوسع: وجوده. نعم، لماذا يجد بعض الملحدون أن الطعن في صفة أو أكثر من صفات الإله تجعله غير موجودا؟ ربما هي الرغبة في الطعن بالصورة الدينية أكثر مما هي الرغبة بنفي وجوده، هذا يجعل الملحد داخلياً ينفي وجود صورة الإله الديني، ولكنه بالنهاية يخضع عقلياً لوجود قوة عُليا، بينما ظاهرياً يبدي التمنع والرفض. ولله في خلقه شؤون. لنكمل.
قد يقول لي احدهم "متعدد الاكوان فرضية لا دليل عليها" , لكن ما الذي يميز وجود الله ,وما هوالجديد في الفكرة ... الذي يجعلها اكثر منطقية من وجود متعدد اكوان؟؟
1) فلو كانت الاكوان (الوجود نفسه) لانهائية, فهذا يعني حتما ان جميع الاحتمالات الممكنة لنشوء الحياة (وعدم نشوئها ايضا) ستتحقق على تريليونات الكواكب, ولابد ان تظهر الحياة على احدها. وهذا تعززه الفكرة التي بدأت بها حديثي, عن اعتماد الكون على الاحتمالية وليس على الغائية.
2) وجود الاله احتمال معلق على مدى ازلية الوجود اللاواعي نفسه, بمعنى أن ثبوت عدم صحة لانهائية الوجود, (متعدد الاكوان)...وثبوت عدم صحة ازلية الوجود (أكوان متذبذبة) ... وثبوت عدم صحة لانهائية الاكوان (في مساحتها وكم مادتها)...عندها يمكن ان نقول أن وجود الله هو الاحتمال الوحيد المتبقي.
الفرق بين الملحدين هو أن عدد الاحتمالات الممكنة لنشوء الكون يختلف من ملحد الى آخر . اذا عدد الاحتمالات 5 فمعناه أن احتمال كل منها 20 بالمئة , أي أن وجود الله عنده احتمال 20 بالمئة, وعدم وجوده 80 بالمئة.
بعضهم لديه حتى عشر احتمالات لكيفية نشوء الكون, يعني كل احتمال له 10 بالمئة, يعني وجود الله 10 بالمئة, وعدم وجوده 90 بالمئة.
وهذا يجعل الملحدين و الدهريين واللاأدريين وغيرهم مختلفين...
هنا أقول أن السيد محمد تقي، ضرب ضربة معلم، بمعنى أنه عرف من أين تؤكل الكتف، ولكنه أخطأ في نقطة الاختلاف بين الملحدين، فهو اختلاف نسبي لا اختلاف منهجي عقلي كامل، بمعنى أن لهم آراء مختلفة لكنها تصب جميعاً في نفس القضية: وجود الإله. لكن القضية التي لم يجب ولن يجيب عليها السيد محمد تقي أو أي ملحد رصين آخر: لماذا كل هذه الجلبة؟ بمعنى لماذا يشغل العلم المادي، الخاضع للتجربة والقياس بالضرورة كي يكون علماً رصيناً، نفسه في دراسة ما وراء الطبيعة وجعلها جزءاً من الطبيعة؟ هو ينقل اعتراضات المؤمنين بعدم وجود أدلة ويجعل هذا الأمر مساوياً لقضية أدلة وجود الإله. وطبعاً هو مصيب ولكن فاتته قضية: لا يوجد دليل "مادي" على ما تقول، فهل بتّ ترفض أدلتنا العقلية وتكتفي بأدلتك العقلية؟ أم هو حصر من قبلك بلا مبرر لمفهوم كلمة دليل وشروطه؟ حقيقةً لا يمكنني أن أفهم المنهجية التي تقف عليها بلا توضيح. وعلى أمل أن تتوضح الصورة من خلال التعليقات.
بالنسبة لي هناك 3 احتمالات :
1. وجود اله قوي واع, حكيم , عليم منفصل عن الكون.
2. وجود طاقة ازلية غير عاقلة, لانهائية... وهي ايضا يمكنها الاتيان باحتمالات اكوان لانهائية. و الاكوان اللانهائية تتشكل من هذه الطاقة نفسها.
3. وجود طاقة أزلية منفصلة عن الكون , تعمل بشكل ازلي, و غير عاقل. (إله كالله, لكن بدون وعي أو حكمة).
هذه احتمالات 3 كلها 33 بالمئة, يعني أن احتمال الله عندي 33 بالمئة, وعدم وجوده 33 بالمئة.
أنا أعلم مسبقا طريقة ردودكم, لكن هذا تقديم لطريقتي في التفكير. لا أنتظر اقناع احد منكم, ولا انتظر اقناع احد لي... مجرد مشاركة لطلب الصديق Hamza
Hamza Essaâdie
شكرا.