بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين
اليوم وقفت على كلام في المجموعة الإلحادية الضخمة لنفس ذلك الشخص الذي كتبت فيه مقال: لقد ظفرنا والله بصيد
ولكن حقيقةً أشعر أن مستواه قد تحسن وعقليته قد تفتحت أكثر على إني قد شاهدته وهو يناظر من يزعم أنه معتزلي، فما وجدت منه إلا سفسطة هيومية راسلية لا أكثر
واليوم يؤكد هذه السفسطة في كلامه الذي كتبه في معرض الرد على من ترك الإلحاد وعاد إلى جادة الصواب:
الإيمان بالله
فأحببت أن أقف على كلامه وأن أنتقده (على عادتي) متمنياً لكم كما تعودتم
قــراءة مــمــتـعة
احيانا يظهر لنا بعض الأشخاص الذين يقولون انهم عادو الى الإيمان بالله من بعد الالحاد
الواقع ان هناك مغالطة كبيرة يرتكبها هاؤلاء الأشخاص في تقديم طرحهم هذا فهم اما لم يكونوا ملحدين بل كانوا كارهين لله و للإيمان او للدين او انهم تعرضو لنوع من القهر او انهم قد أصيبوا في قدرتهم على التقييم
جميل هذا الطرح أعلاه، ولكنه يصادر على المطلوب، فالإلحاد - حسب وجهة نظري - عبارة عن مسألة تربوية واضحة وبالتالي فكما جميع الطرق تؤدي لروما، فهناك طرق كثيرة تؤدي إلى حالة الإلحاد، بعضها يبدأ بالمراهقة وبعضها يبدأ متأخراً. ولو عدت لكلامك أنت يا هذا ستجد أن إلحادك كان نتيجة حتمية للبيئة التربوية والنزعة التمردية التي كانت عندك. لنكمل معك لنرى إلى أين ستصل.
بالنسبة لي أرجح الاولى في اغلب الأحيان و ذلك لعدة أسباب
أعزائي ان الفكر الإلحادي لم يكن يوما مرتبطا بكراهية الدين او النظر للأفعال الأخلاقية له و لم يكن لأننا لا نستطيع ان نرى الله كما يقدم بعض المؤمنين الفكرة أعمق من هذا بكثير
أنت ترجح عودة الملحد عن إلحاده سببه كره الأديان؟ دعني أقل لك: هذا رأي صحيح ولكن بحدود، فهو إن صح لن يعدو عن كونه تعميماً يصح حالة مراهقي الملحدين وليسوا شياطينهم، كما في حالتك. ثم تبدأ بسرد أن الإلحاد غير مرتبط بكراهية الدين، وليس بعدم رؤية الله، وأنا أقول لك حقيقةً أنت كاذب، فأنت تبدأ بالعاطفة ثم تنتهي بالمنطق، أم تريد أن تجعل من نفسك آلة تورينج المنطقية التي لا تحتوي على العاطفة فتنطلق من أساسات معينة؟ لا أظن أنك قادر على رد هذه الدعوى التي رفعتها أصلاً، فلو طبقت منهجك على نفسك سيتحول الإيمان إلى منهج عاطفي بحت ربما، وهو ليس عاطفة فقط، بل عاطفة وعقل. ونحن نسمي العاطفة هنا بالوجدان والقلب، لأنها تختلف عن عواطفك التي تقود بك إلى منقصة أو مغبة. ولا أريد فتح باب أكبر، ولكن برأيي فإن الإيمان بالله كخالق هو السبيل الوحيد لفهم العالم. لنكمل معك.
الالحاد ليس عقيدة او معتقد لـ تتركه عندما تكتشف زيفه او خطاه .. الالحاد هو كنظام تشغيل و آلية تفكير و اسلوب لتحليل الامور و من هنا نقدم ان كل من لازال يقتنع بالعلوم الكاذبة و الغيبيات و كل الأطروحات التي ترتبط بـ تساؤل و من ثم القفز لإجابة لا ترتبط بها او تكون كـ احتمال من مجموعة كبيرة من الاحتمالات دون ان يكون هذا الاحتمال له من التأكيد اي جذور هو ليس بملحد
الإلحاد ليس عقيدة؟ خطأ، الإلحاد نظام اعتقادي شامل يقوم على أسس معينة قد وضحناها في مقالنا السابق: الإلحاد و الفلسفات اللادينية: تعريفات حيث كتبنا فيه:
"لا يملك الملحد اعتقاداً دينياً. لا يؤمن الملحد بإله أو بآلهة، أو بأي كائنات غيبية. نحن لسنا "ديناً". إن مفهوم وكالة خارج الطبيعة مع قدرة على الوصول للقانون الطبيعي والتحكم بالأحداث هو مذهب غيبي، وهو أساس أي دين. والاعتقاد بوجود هذه الوكالة مبني على التصديق. ولا يملك الملحد أي نظام إيماني محدد. فنحن نقبل ما هو علمياً قابل للإثبات. ولأن مفاهيم الإله غير قابلة للإثبات، فنحن لا نقبلها."
المصدر
وحقيقة ما يهمني هو الآتي: قابلية الإثبات. كل ما يمكن اثباته علمياً وجود الأثر وليس نفس الوجود. ولو أردت أن نتوسع في هذا فسننفي في مرحلة متقدمة وجود الخارج ونصل به إلى كونه أثراً نفسياً لا أكثر ولا أقل. وبالتالي، وبالرغم من أن كلامي ظاهراً بعيد عن طرحك، فإني من حقي أن أضع شكوكاً حول جدوى منهجيتك في اعطائي أي يقين ولو مشوه، وهل يمكنني أن أثق بهذا اليقين؟ نعم أنا أتسائل كثيراً وأجد الإلحاد منهج قائم على ميتافيزيقا مادية معينة. لننظر ما ستقوله لاحقاً.
الموضوع بسيط و دعوني اقدم لكم أسسه
نحن فئة من الناس لا ننكر اي شيء و لا نقبله الا بوجود دليل عليه و هذا الدليل عليه ان يحمل الصفات التالية
الدين يا سادة هو النهج والطريقة، وبما أن الإلحاد يقوم على أسس معينة تحت مسمى العقل والدليل فهو دين بالضرورة، ولكنه دين من نوع آخر. واسمح لي يا صاحب الكلام أن أحلل كلامك نقطة نقطة. لنبدأ بسم الله:
١- ان يدل هذا الدليل على الطرح المقدم بعينه بتسلسل منطقي عقلاني
من مسرحية مدرسة المشاغبين:
"تعرف إيه عن المنطق؟"
كما يقولون أخواننا المصريين: هو انت هشتغتلني؟ ما هو المنطق عندك؟ هل هو الدليل التجريبي؟ هل أنت قادر على الدفاع عن الدليل التجريبي؟ بمعنى هل اليقين متحصّل من الدليل التجريبي؟ هل هو يقين مطلق أم محدود بحدود التجربة؟ أم أنك تنكر البديهيات؟ هل تنكر مثلاً عدم التناقض وهل تنكر السببية وهل تنكر الهوية؟ حقيقةً أنا أرى أن آخرمن يتحد في المنطق والعقل هو الملحد. فإن كنت لا تفقه أصلاً ان اجتماع النقيضين في شيء يؤدي إلى كونه معدوماً بالضرورة، والعدم لا علية فيه وفي هذا نقاش طويل، فكيف تتكلم بالمنطق؟ أصلاً أنت تفهم ماذا تعني الكلمة: أن قدرة الله متعلقة بالممكنات؟ هذه كلمة عميقة،وسأقول لك: كمسلم، أعتبر المنطق وسيلة لمعرفة الله بحدود الاستطاعة وليس طريقة لتحديد قدرة الله، فنحن نقيس قدرة الله على قدر عقولنا وخيالنا المخلوق من قبله وبالتالي فمنطقك هذا الذي تحتج فيه أصلاً عاجز عن توفير دليل حقيقي على قضايا كثيرة منها نفي وجود الله، إنما هذا المنطق إن اتبعت أسسه، بلا مغالطات منطقية التي تنقض مبدأ الهوية فستصل به إلى اليقين وإلى وجود الله، فهو صالح وقادر على دعم وجود الله بطرق عقلية مستقلة قائمة على بديهيات لا ينكرها إلا مسفسط. وهناك نقاشات اعمق لو خضت معك فيها ستفهم أنك لازلت رضيعاً وتحبو في هذا المجال.
٢- ان يكون الدليل بحجم الطرح المقدم
كل الأدلة الإيمانية بحجم الطرح ولكن المكابرة الإلحادية تمنع الرؤية الواضحة. هذا هو الرد على الهراء أعلاه.
٣- ان يكون معتمدا على الأسس العلمية و التحليل الرياضي
هذه الصورة تبين مشكلة القسمة على صفر
وهذه تعتبر مسلمة بالرياضيات على حد علمي
لا يمكن القسمة على صفر
الأسس المنطقية والتحليل الرياضي؟ طيب عزيزي، أنا كشخص يعمل في نمذجة أنظمة الطاقة أستطيع جعل كفاءة نظام 500% وحسب الأسس المنطقية الرياضية هذا الحل صحيح 100%، ولكن أين المشكلة هنا؟ ببساطة مخالفة الواقع الفيزيائي ومن هنا أتى الرفض. إذن التحليل الرياضي سيكون مشكلة. ثم ما بالك ترفض براهين الاحتمالات التي تريك استحالة نشوء البروتين بالصدفة المحضة بل وتدلسون على هذه المفاهيم، باضافة قضية تسمى الانتقاء الطبيعي كجزء انطولوجي من الوجود، حتى تزيدون الاحتمال الى درجة معقولة؟ هذا منهج انتقائي. من يتكلم بالمنهج الرياضي يجب عليه أن يبرز معرفة رياضية معينة وليس فقط دعوى فارغة.
٤- ان يبتعد تماما عن المغالطات المنطقية
عندما نفهم ما قصدك بالمغالطات المنطقية، عندئذٍ سيكون لكلامك معنى ، وإلا فالإلحاد كله مغالطة منطقية كبيرة.
٥- ان لا تؤثر به المشاعر و الأحاسيس
اذن هذه الدعايات تمارس مغالطة منطقية
ازاي تيجي دي؟ عزيزي التوسل بالمشاعر يختلف عن التأثر بالمشاعر. عندما تفهم قصدي عندها نتفق.
٦- ان يقبل النقد الكامل و يجتاز اختبار الحالة الثابتة و التأكيد ( بمعنى ان يكون صحيح التطبيق دوما ضمن مختلف الحالات )
أما النقطة الأخيرة فهي مستحيلة بذاتها، تعرف لماذا؟ إن كان القانون الثاني للثيرموديناميكا احتمالي، وقد تم اثبات خرقه تجريبياً، وميكانيكا الكم ترجح خرق حفظ الطاقة بل وتجعل كل قوانين الكون احتمالية جوازية، فأين تجد اطلاق التطبيق؟ هذا استحمار علني.
و ضمن هذه الشروط فان تقديم الطرح الغيبي غير قابل للإثبات لانه و بكل بساطة غيبي فان غاب عنا فبأي حق تقومون بتقديم القصص و القوانين و الشرائع و التثبيت لشيء غيبي
أنت القاضي والجلاد. طبعاً، فالأعور أفضل من الأعمى، ولكنك لست أعوراً، بل تعاني من حول واضح. نحن لدينا أدلتنا التي ترفضها لأسباب واهية ولهذا باختصار شديد فإن اعتراضك مردود عليك. ثم أن كلامنا لا يلزمك ما لم نتفق على النقاط أعلاه التي تحمل في طياتها مشاكل كبيرة. هل سمعت بالمبدأ الإنساني؟ أم أنت ترفضه؟ لديك مشاكل عميقة تحاول تغطيتها بمصطلحات كبيرة.
طبعا كما قلت سابقا هي طريقة تفكير يقابلها الطريقة الإيمانية التي تقوم على التصديق بالشيء و الاقتناع به دون المرور بما سبق من نقاط و من هنا اقول اننا لا نؤمن بل نقتنع
هل ترى هذه الجملة؟ سأتحداك فيها أن تقيم عليها أي إيمان علمي يقيني بقضية. أنا لدي أدلة أن الزمن غير موجود وأن الجاذبية غير موجودة حقيقةً. وبالتالي فأنا أستطيع أن أزعم أن الوجود قد يكون غير موجود. فأين منطقك؟ لديك مشاكل. استيقظ.
لذا .. من كان ملحدا لن يقوم بالتحول الفجائي الى مسلم او مسيحي او يهودي او بوذي عموما لن يتحول لمتدين و لكن نتيجة خلل في احد العوامل السابقة لربما ينتقل لربوبي مثلا نتيجة ادخال المشاعر او التقافز و التجاهل للاحتمالات الاخرى او نتيجة تجاهل او القبول بـ المغالطات المنطقية
تقول مغالطات منطقية وأنت لم تعرّفها. ربما تقصد بها: مخالفة منهجك المتهافت على نفسه لا أكثر. أظن كلامي أعلاه كافي لتعرية مزاعمك.
عموما لكي يصبح الملحد ديني عليه ان ينسف كل ما سبق و بالتالي ان ينسف نظام التشغيل الذي يقوم عليه فكره بشكل كامل و هنا تكون الحالة الثالثة و هي انه قد أصيب في قدرته على التقييم
لا أظن أنك تتكلم بكامل وعيك، ولكن إن تعاونت معك وقلت أن "عطب نظام التقييم الإلحادي" عندها سيكون كلامك صحيحاً. مع إن الإلحاد سفسطة فكرية هو الآخر.
نحن لسنا ملحدين بسبب الاخطاء في القران ولا بسبب ان المسيح ثلاثة في واحد و لا لان الرسول تزوج طفلة و لا لكون العبادات صعبة و لا لسخافة من اكل الجمبري او اللحم باللبن ولا للفوائد و الأموال التي يتقاضاها مرتزقة الدين، نحن ملحدون لان فكرة تقديم الغيبيات و من اي كان و باي منطق او فكر لا تتعدى كونها طرح سطحي لا يرقى لسويتنا الفكرية و هذا يجعلنا فخورين بالحادنا
عزيزي المؤمن او من كنت تدعي الالحاد عذرا .... بحسب تقييمنا طرحك فاسد
بل طرحك هو الفاسد لغياب التأسيس الواضح.
والله ولي التوفيق.
والحمد لله رب العالمين.