بسم الله الرحمن الرحيم
سأطرح اليوم فكرة تناقش كلمة الملحد حول
"أخطاء التصميم"
ولن يتم النقاش حول الأخطاء، بل سيكون النقاش حول قدرتنا على انتاج المنظومة المتكاملة.
"الله خلق الخلق بطريقة قابلة للتوسعة والتطوير Expandable and developing ، وبالتالي فإن كل ما نصنعه ونتقنه في الحقيقة هو ما سمح الله لنا به"
لدينا مشكلة، وهي مشكلة مركبة، وليست بالبسيطة، المشكلة باختصار هي الدعاوي العريضة التي يطلقها الملاحدة بخصوص الخلق والتصميم. كثيراً ما نسمع الملحد يتململ حول العيوب من مثل المنطقة العمياء في العين، وفقرات الظهر، وسن العقل والجهاز الإخراجي في جسم الإنسان. وطبعاً نسمع المؤمن يمجد دقة الخلق وعظمته في نفس تلك المواضع. وقبل أن أنتقل لصلب الموضوع يجب علينا أن نفهم أن كلاً من الملحد والمؤمن استخدما الوقائع وانحازا لجانب معين على حساب الجانب الآخر من أجل اثبات وجهة النظر الشخصية القائمة على المنطق الذاتي بلا شك.
ليست المسألة بهذه البساطة، فالكمال الذي يبحث عنه الملحد والكمال الذي يصفه المؤمن ليسا موجودين في الحقيقة، وجميعنا نذكر قول الشاعر: لكل شيء إذا ما تم نقصان، وكلنا نقول أن الكمال لله. اذن تتحول المسألة إلى وجه آخر، الاتقان والدقة. فالمؤمن يصف الدقة في خلق الإنسان والكائنات (وهو مصيب) والملحد يصف العيوب الموجودة (وهو مصيب)، والخلاف كما أسلفت، سيكون في النتيجة المبنية. إنها حجة إلحادية بوجه الحجة الإيمانية.
ولن أناقش الآن وجهة النظر الإيمانية، ولن أتعرض لها، ولكني سأقدم مفهوم دقة الصنعة وخلوها من العيوب. صناعياً، نحن عندما نصنع فإن جميع مصنوعاتنا يجب أن تخضع لمقياس ما يُعرف بضبط الجودة، وضبط الجودة يقوم باختبار الجهاز للتأكد من أنه يعمل كما يجب. حتى يتم هذا، يجب علينا استخدام المواد المناسبة التي تمتاز بالجودة العالية، أي أن لها مواصفات تجعلها مناسبة جداً وملائمة للوظيفة المنتخبة لها. هل هذا اتقان؟ الجواب نعم. هل هو كامل؟ الجواب لا. والسبب كالآتي: مهما وصلت لجودة صناعة عالية فأنت محكوم بأمور أخرى تختلف اختلافاً كلياً عن كون القطعة تؤدي عملها بشكل جيد وبلا مشاكل.
جميع المواد المستخدمة في التطبيقات الهندسية تخضع لما يُعرف بالاجهاد، فالاجهاد له مسبباته من شد وضغط وتمدد وتقلص، ولهذا فإن القطع الهندسية تصمم بأبعاد ومواصفات ومواد تجعلها تتحمل تلك الاجهادات، وإلا فإن القطعة ستنهار. متى يحصل الإنهيار؟ يحصل الإنهيار عندما يتجاوز الاجهاد الحد المسموح به في القطعة، فتنهار القطعة تحت وطئة ذلك الاجهاد! اذن اتقان القطعة الهندسية يجب أن يتضمن مقاومتها للإجهاد. هذا يظهر لنا مشكلة جديدة، أو بالأحرى عدة مشاكل:
1- مشكلة الوزن: فالقطع إن استخدمنا فيها مواد كثيرة سيزداد وزنها، وهذا سيقود لصعوبة في النقل والتركيب وربما حتى التصنيع والصيانة لاحقاً.
2- مشكلة الكلفة: استخدام مواد معينة قد يرفع الكلفة عشرات الاضعاف. وبالتالي فالاتقان يقود لرفع الكلفة إلى درجة غير قابلة للتصور. هل تعلمون أن محرك الطائرة التجارية النفاثة من الحجم الكبير سعر محركها 6 مليون دولار؟ هذا بسبب الاتقان.
3- مشكلة التطوير والتكنولوجيا: إن الاستخدامات الهندسية احياناً تفرض علينا تطوير المواد، وهناك مشاريع متوقفة بانتظار تطوير مواد جديدة. وحتى لو طورنا تلك المواد، فاستثمارياً تطويرها وتحويلها للنمط التجاري سيكون مكلفاً.
جميعنا سمع بألياف الكاربون المستخدمة في السيارات الراقية مثل المرسيدس. إن هذه الألياف لازالت قيد التطوير، ولا يزال استخدامها في التطبيقات الهندسية مكلفاً جداً.
اذن هناك عيب جوهري: الكلفة! إن الملحد ينسى (أو يتناسى) الكلفة! فأين الاتقان في الكلفة؟
وحتى نتحكم بالكلفة، ندخل في موضوع الأمثًلَة Optimization، حيث نقوم بالتصميم لاختيار الحلول المثلى، وفي الغالب يكون التصميم مربوط بالكلفة باختصار شديد. فنحن نحاول الحصول على أقل كلفة وأعلى جودة ممكنة بنفس الوقت. وطبعاً هذا يقلل بالتأكيد من قدرة القطعة على التحمل، ولهذا نكتب التحذيرات ونوضح حدود تشغيل القطعة.
اذن الاتقان "محدود".
ننتقل إلى جسم الإنسان، وبكلمة أخرى: الطبيعة. فنمو الحياة حسب العقيدة الإلحادية مستمر من 2.5 مليار سنة، وخلال هذه السنوات من التطور، وصلنا لكائنات ذات صفات أفضل من الإنسان! أفضل منه في النظر والسمع والمناعة واستهلاك الطاقة وتوفيرها. بل أن هناك كائنات لم تتغير من ملايين السنين من مثل القرش والتماسيح! اذن لنقل أن الطبيعة وصلت للاتقان. وهذا الاتقان أيضاً خاضع للأمثلة ويبقى محدوداً.
وبالتالي فإن خلقة الإنسان وجميع الكائنات هي الأفضل بحدود قابلية المادة وطبيعتها، مع وجود مجال للتعديل والتحسين. هكذا أنظر للأمر. وللعلم، هناك رؤية بأن استخدام الأدوية وتطوير النظام الصحي قللا من كفائة الإنسان، ولربما تتذكرون ماذا فعل هتلر بالمواطنين ذوي الاحتياجات الخاصة فتخلص منهم! كل هذا سعياً منه للاتقان.
نقطة استدراكية: وجود العيوب.
وجود العيوب لا يعني غياب الاتقان. فعندما نقود أي عملية صناعية لابد أن يكون هناك كمية فيها مشكلة. وهذا الأمر معروف لمن درس ضبط الجودة بكل تأكيد. إن الطبيعة تسير بدربها نحو الانحدار والانحلال، ما لم تتدخل آلية تقويمية. في النظم البيولوجية هي الانتقاء الطبيعي، وفي المصانع: ضبط الجودة. وهذا يقودنا لقضية أخرى مهمة: هل يفترض الملحد أن خلق الله يجب أن يكون "مثالياً"؟ هل يجب على الله أن يخلق خلقاً مثالياً؟ هل يحلم الملحد أن يكون الإنسان مثل ساعة روليكس؟ وهل ينسى الملحد أن ساعة روليكس خضعت لقوانين التصميم حتى تكون بتلك الجودة؟
المسألة واضحة بنظري: نحن محكومون بالمادة من حولنا، ومهما طورنا من مواد، يبقى الكمال شيء بعيد المنال والسبب أن الاتقان يفرض علينا اقامة النظام بطريقة تجعل الكلفة مرتفعة.
لماذا صنع الله متقن؟
الله سبحانه وتعالى هو الصانع المتقن لأن المخلوقات وصلت على يده إلى أقصى حدودها التصميمية. حتى تعديلاتنا التي نقوم بها على الكائنات هي تعديلات مسموح بوجودها وفق الخرائط التصميمية. أي أن الله خلق الخلق بطريقة قابلة للتوسعة والتطوير Expandable and developing ، وبالتالي فإن كل ما نصنعه ونتقنه في الحقيقة هو ما سمح الله لنا به. فتبارك له الخلق والأمر.
والحمد لله رب العالمين.