هذا الكلام منقول من صديقي المفكر حسن الحسيني (ليس الداعية الديني) ، ولكم قراءة ممتعة فيه
نقاش وطني: حول "الاحتلال العربي للهلال الخصيب وانتشار الإسلام بحد السيف"...
كان شعور صديقي بالحيرة ممزوجاً بشيء من الغضب والتوتر ظاهراً، في هذه المرحلة من النقاش، وإن حاول إخفاءه...
نظر إليّ وقال: أنت بارع في قلب الحقائق وتجميل القبيح وتبرير الأمور... فما يصل إليه المرء بالنتيجة معك هو أن كل شيء جيد، وعلى أحسن وجه، وكما يجب أن يكون... والعرب قوم محترمون ولهم على العالم أفضال كبيرة... والإسلام دين حضاري، يحترم حقوق الإنسان، فلا يستعبد، ولا يقتل، ولا يكفّر الناس، ولا يقمع الفكر والحريات، ولم يقم بغزو الشعوب الأخرى لا في سورية ولا في العراق، ولا في شمال إفريقيا ولا في آسيا ولا في أوروبا... والآن لأن الأوروبيين قطعوا الرؤوس، فالإسلاميون عندك معذورين ويحق لهم قطع الرؤوس هم أيضاً!
أصغيتُ إليه بهدوء وهو يفرّغ شحنات الغضب فهذا طبيعي... إنها مراحل الصدمة التقليدية عندما يواجه المرء حقيقة قاسية:
(1) الذهول والإرباك وفشل في ربط الواقع المدرك بالمنظومة المعرفية الموجودة في الذهن...
(2) الانتقال إلى الشعور بعدم القدرة على القبول بالواقع... والعجز عن التعامل معه...
(3) الغضب الممزوج بالإحساس بالظلم وبالضياع (أو عدم الفهم)، لأن الواقع الذي أدركه وعرف حقيقته يخالف التوقعات التي كان بناها على تصورات خاطئة ومفاهيم مشوهة وتفسيرات مغلوطة عن العالم والحياة...
(4) الدخول في حالة الإنكار Denial والرفض لهذا الواقع الجديد... ومن ثم محاولة بناء تصورات (ولو وهمية) لتفسير الواقع بأقرب صورة ممكنة لما يرغب المرء بتصديقه (يبدأ الانتباه الانتقائي Selective Attention، والسمع الانتقائي، والبصر الانتقائي، والفهم الانتقائي، والتصديق الانتقائي) ليحافظ الدماغ على سلامة الأعصاب وتوازن العقل...
(5) بداية شعور دفين في اللاوعي بشيء من الخطأ والذنب، مع محاولة تجاهله وتجاوزه، والبحث عن جهة ما أو شخص معين لإلقاء اللوم عليه، وصب الغضب والطاقة السلبية على رأسه (أو رأسها)...
(6) تطوير المحاولات التطويرية للتفسير أو التصور الوهمي المناسب عن سبب الخلل في توافق الوقائع مع التوقعات، بما يدمج اللوم الملقى على الغير ضمن هذه النظرية الافتراضية... ثم العمل الحثيث على محاولة إثبات هذه النظرية...
(7) يتحول البحث التبريري عن إثبات ما للنظرية الوهمية المفترضة مع الوقت إلى محاولة للبحث عن "معنى" لكل ما يجري: معنى يجعل له ولحياته قيمة، (في حال تبين له على سبيل الافتراض الجدلي أنه على خطأ)...
(8) عندما يصل إلى "حل" مقبول بالنسبة له (نفسياً وفكرياً ومعنوياً واجتماعياً وجسدياً)، فإنه يبدأ بالاعتراف بالخطأ...
(9) يدخل في طور الحزن العميق جداً...
(10) يعاني من التوتر والقلق والضيق Anxiety والانزعاج...
(11) البعض يبدأ بلوم النفس و"جلد الذات" بسبب السقوط في هذا الخطأ...
(12) الشعور بالعجز الكامل واليأس المطلق... والتوجه نحو الاستسلام للواقع... مع شعور بانهيار الثقة بالنفس وبالقوة الذاتية والشخصية...
(13) الانسحاب والميل إلى العزلة لفترة... مع فقدان الاهتمام بممارسة النشاطات التقليدية...
(14) إدراك حقيقة الواقع الجديد والاعتراف بالخطأ صراحةً...
(15) هذه السقطة تصبح بالتدريج أقل تأثيراً وإيلاماً وضغطاً نفسياً...
(16) بالتدريج يبدأ الشعور باللذة والمرح للعودة والظهور شيئاً فشيئاً...
(17) بالتدريج يعود الاهتمام بالنشاطات الروتينية والتقليدية...
(18) يبدأ التخطيط لمشاريع وأمور ونشاطات جديدة... ويبدأ بتجربة واختبار إيجابيات جديدة تعيد له الثقة بنفسه...
(19) يبدأ المرء بالتكيف والتأقلم مع الخطأ الذي وقع فيه: فيبدأ بالتفكير الواضح والمنهجي فيه، ومن ثم إعادة النظر وإعادة بناء كل المنظومة الانطباعية (الفكرية) Perceptual Set لتصحيحها عبر تعلّم الدرس والعبرة من هذه التجربة...
(20) يعترف المرء بالخطأ الذي وقع فيه، ويتصالح مع ذاته، وينقل تجربته وكيفية تعامله مع هذه الأزمة للآخرين...
فلما انتهى، أجبت: ولماذا لا تكون أنت البارع في تشويه الجميل وتبرير ما أنت متعاطف معه مسبقاً؟ ولكنني لن أتهمك بذلك، فأنا أعرفك... ولكن سأسألك: إذا كنت تجدني أقلب الحقائق وأزور الوقائع، فلم تضيع وقتك بالنقاش معي؟
قال: معك حق... بالفعل هي إضاعة للوقت...
قلت: وربما هي كسب لحياتك قبل فوات الأوان... فكلانا يتعلم من هذا النقاش... فالحقيقة لا تخفي نفسها إذا كانت بينة واضحة... وإذا كانت مائعة وضبابية وملتبسة فالنقاش يجلوها ويكشفها... ولتكن الحجة والمنطق هي الوسيلة، ولنضع العاطفة جانباً... واسمح لي أن أرد على باقي كلامك:
- فأما أنني أقلب الحقائق فبيننا الحجة والبرهان والدليل...
- وأما أنني أجمل القبيح: فالجمال مقاييسه تختلف باختلاف المفاهيم المكتسبة بالتربية... فكم من شخصٍ تربى على جميلٍ هو عند غيره قبيح... والعكس كذلك... فافتح عقلك ووسع صدرك، وانظر بعيني غيرك، ثم قرر ما تريد بعد ذلك...
- وأما أنني أقول بأن كل شيء جيد فهذا غير دقيق: كل شيء بمجمله جيد ويسير بالشكل الصحيح... هذا على المستوى الإجمالي للحياة والكون و والمجتمعات البشرية وعلى مستوى الإنسانية... فطالما أن الكون متوازن والطبيعة تسير على نظامها، والمجتمعات البشرية تمارس سلوكها الطبيعي (وتتعرض لردود الفعل الطبيعية) فهذه هي الطبيعة، تقوم بعملها كما يجب... والحياة تسير بشكل طبيعي، وهذا جيد... ولكن على المستوى الجزئي، وتحديداً على مستوى شرائح اجتماعية معينة، في وطننا السوري فالأمور والأوضاع غير جيدة على الإطلاق، ومن أسوأ ما يكون بكل تأكيد... وكان بالإمكان أفضل مما كان... ولكن الخيارات الفاسدة للكثير من شرائح هذا المجتمع، نتيجة المفاهيم الفاسدة والتعليم الخاطئ، أوصلتنا إلى هنا...
- وأما أن العرب قومٌ محترمون فهم بالمجمل – كمثل كل القوميات الأخرى – محترمين... وأما على المستوى الجزئي ففيهم المحترم وفيهم غير المحترم...
- وأما أن لهم على العالم أفضال، فنعم لهم عليه أفضال... وفي المقابل للعالم على العرب أفضال... فلا أحد يدين للآخرين بشيء... وإنما الطبيعة الاجتماعية متوازنة...
- والإسلام بالفعل كما قلت: دين حضاري، يحترم حقوق الإنسان، فلا يستعبد، ولا يقتل، ولا يكفّر الناس، ولا يقمع الفكر والحريات، ولم يقم بغزو الشعوب الأخرى لا في سورية ولا في العراق، ولا في شمال إفريقيا ولا في آسيا ولا في أوروبا...
- وأما أن الإسلامويين حالياً معذورين ويحق لهم قطع الرؤوس لأن الأوروبيين قطعوا الرؤوس، فهذا غير صحيح... فأنا لم أقل ذلك، ولكن قلت بأن سلوك القتل والتنكيل بالطرق البشعة المليئة بالحقد الأسود والكراهية والرغبة في إرهاب الآخر وفي إذلاله، هي سلوك موجود عند أشخاص ذوي ذهنية معينة، ولا علاقة له بالهويات ولا بالانتماءات الثقافية ولا الدينية ولا الجغرافية ولا القومية، ولا غيرها: إنه سلوك وليس عقيدة أو ثقافة...
قال: كلامك مستفز جداً، ونسبة الأدرينالين وصلت عندي إلى أرقام قياسية... وأحاول بالصدق أن أتماسك...
قلت: لا داعي لكل ذلك... النقاش هو من أجل أن نصبح في حالٍ أفضل... فإن حصل العكس فلندعه جانباً...
عاد بعد بضع ساعات ليقول: هل تنكر أن محمداً تمرد على قومه وأهله من قبيلة قريش، فجمع جيشاً من الناس باسم الدين وهاجمهم في معركة بدر المشهورة؟
فقلت: نعم أنكر... ليس هذا ما حصل... النبي دعا بدعوى ونادي إلى أمر، فاستجاب له البعض، وأنكر عليه دعوته البعض الآخر... فلم يتركه من أنكروا عليه وشأنه هو وأصحابه، وإنما عمد بعضهم إلى اضطهاده هو وأصحابه... فهاجروا إلى الحبشة ثم إلى يثرب (المدينة)، وتركوا لهم "مكة" في محاولةٍ لأن يتركوا وشأنهم، ولكن لم يتركوهم وشأنهم:
(1) لاحقوهم في الحبشة...
(2) وحاولوا قتل من بقي في مكة (وبينهم الرسول) ولاحقوهم بغية قتلهم حتى بعد هروبهم هجرةً إلى يثرب...
(3) حرضوا حلفاءهم من العشائر ليهاجموهم في المدينة بشكلٍ مستمر...
(4) قاموا بمصادرة ونهب بيوتهم وأموالهم وتجارتهم وكل ما لهم، وأرسلوها لتباع في الشام...
فالرسول لم يهاجر إلى يثرب محتلاً، وإنما أهلها جاؤوا إليه في مكة وبايعوه البيعة المعروفة باسم "بيعة الرضوان" (تحت الشجرة)، وطلبوا منه أن يهاجر إليهم ويحكمهم ويقودهم... والرسول لم "يتمرد" ولم يقم بـ "ثورة"... ولم يحرّض أحداً على أحد... ولم يحمل السلاح على أحد...
والبيعة هنا تعني الحكم... فمدينة يثرب أصبحت تحت حكمٍ جديد بالمبايعة، ولذلك غيرت اسمها إلى "المدينة المنورة"، وأصبحت ذات استقلالية كاملة، ولا علاقة لها بمكة... وحصل ذلك بالتراضي مع أهل المدينة، وليس بالغزو... واعتبر ذلك تمرداً على حكم الرومان الذين كانوا يهيمنون على كل المنطقة، بما فيها مكة...
وما حدث في بدر هو مغاير تماماً لما ذكرت: أولاً هنالك ثلاث غزوات باسم "بدر"، اثنتان وقعتا في البداية (قبل غزوة "أحد") وواحدة بعدها...
"غزوة بدر الأولى"، هي غير "غزوة بدر الكبرى"، وهي غير "غزوة بدر الصغرى" (وتسمى أيضاً "بدر الآخرة")... ففي غزوة بدر الأولى أرسلت قريش قوة خفيفة من 900 مقاتل بقيادة كرز بن جابر الفهرى الذي أغار على سرح المدينة (أي المراعي المحيطة بالمدينة حيث النعم والمواشي التي تسرح للمرعى)...
فهنا اعتبر الأمر بمثابة عدوان على سيادة الدولة الجديدة الناشئة والمستقلة بالمدينة المنورة، وخرج المقاتلون المسلمون (وعددهم 200) لمطاردة المعتدين واسترجاع الأغنام والمواشي المنهوبة، أو على الأقل ردع المعتدين، ولكنهم لم يدركوهم... وفرّ الغزاة بفعلتهم، بما ينذر بأن الأمر سيتكرر من جديد... ولم تحدث مواجهة، ولا قتال... ولكن مجرّد هذه المطاردة أطلق عليها اسم "غزوة"، واعتبرَ أن المسلمون فيها قد انتصروا، نظراً لفرار أهل قريش من المواجهة برغم قلة عدد المسلمين...
نفس الأمر ينطبق على غزوة بدر الصغرى (الآخرة)، التي كان بعد غزوة "أُحُد"؛ هي لم يحدث فيها قتال... فلما انصرف أبو سفيان ومن معه يوم "أحد" نادى: "إن موعدكم بدر". فقال النبي (ص) لرجل من أصحابه قل: "نعم هو بيننا وبينك موعد". فلما جاء الموعد خرج أبو سفيان بقيادة حملة عسكرية، ولكنه توقف في منطقة تدعى "السويق" حيث يمكن الاستراحة وتتوفر المياه... وأرسل الأخبار إلى المدينة بخروجه، فخرج المسلمون إلى "بدر" كما هو الموعد، وكان معه هذه المرة 1500 مقاتل؛ فخاف أبو سفيان ومن معه، ولم يتوجهوا إلى "بدر"، وإنما انسحبوا وعادوا أدراجهم إلى مكة... فلم يحدث لا قتال ولا مواجهة ولا شيء، ولكن تم اعتبار المسلمين منتصرين، وأطلق على الحادثة اسم "غزوة"...
وأما معركة بدر التي تتحدث عنها والتي حدث فيها قتال، فهي حدثت بعد معركة بدر الأولى (التي نهبت فيها مواشي المسلمين)، بأشهر حيث قام القرشيون بمصادرة أملاك المسلمين في مكة، وعمدوا إلى بيعها في قافلة تجارية اتجهت إلى الشام. وبعد غزوة بدر الأولى، وبينما القافلة التجارية عائدة من الشام إلى مكة، وعلى رأسها أبي سفيان مع قوة مقاتلة ضخمة، قرر المسلمون اعتراض القافلة:
(1) رداً على الهجوم السابق من جيش قريش، وردعاً لهم حتى لا يتكرر الأمر...
(2) استرجاعاً من المسلمين لأموالهم المنهوبة في مكة والمباعة في الشام...
(3) لأن القافلة كانت ستمر في منطقة بدر بالمدينة مستبيحةً أراضي المسلمين...
(4) استجابةً لرأي وطلب أهل المدينة (الصحابة) بأن لا يسكت على عدوان القرشيين...
ولم يكن في بال المسلمين الحرب أبداً؛ ولكن كان أبو سفيان قد أرسل من يستطلع الطريق، فبلغه أن المسلمين خرجوا بقوة لاعتراض القافلة. فاتخذ طريقاً التفافياً محاذياً لساحل البحر، وأرسل إلى قريش يستدعيهم محولاً العملية إلى حرب مفتوحة. فكان القرشيون هم من هاجم ومعهم 1000 مقاتل (بينهم 100 فارس)، مقابل 300 مقاتل من المسلمين...
فالأمر كما ترى كان دوماً دفاعاً عن النفس، ولم يكن هجوماً... لا في بدر، ولا في أُحُد، ولا في غيرها... بدليل مواقع المعارك (مثلاً مدينة بدر، وجبل أحد، هما في جوار "المدينة" وليسا في جوار "مكة" وغزوة "الخندق" – وللعلم هي الأخرى لم يحدث فيها مواجهة عسكرية مفتوحة – كان "الخندق" هو في "المدينة المنورة" وليس في "مكة")...
وأكثر من ذلك، هل تريد أن تعلم ما فعل النبي (ص) بالأسرى الذين وقعوا بيد المسلمين (نحو 70 أسيراً)؟ أطلق الأغنياء فداءً بما قدروا على فداء أنفسهم به؛ وفدى المتعلمين منهم بتعليم أطفال المسلمين القراءة والكتابة، وأطلق سراح الفقراء منهم بلا مقابل...
قل لي ماذا فعل "نبوخذ نصر"، أو "حمورابي" أو "هاني بعل" (هنيبال) أو أي من قادة وحكام ذلك الزمان بالأسرى في حروبهم...
هزّ رأسه بتعجّب ثم نظر إلي وقال: لماذا دائماً لديك معلومات خاصة لا يعرفها غيرك؟ ولماذا دائماً تظهر الأمور عند الحديث معك وكأن المرء لا يعرف شيئاً... لقد قرأت تاريخ الإسلام وسيرة النبي محمد مراراً، ولم أجد فيها شيئاً من هذا الذي تقوله!
قلت: هذا الكلام الذي رويته لك منذ قليل ليس كلامي الشخصي، أو استنتاجاتي أو أبحاثي أو اجتهاداتي... هذا مذكور صراحةً ويعرفه الجميع، ومتداول بكثرة في كل الكتب التي أرخت لسيرة النبي، وحتى على الإنترنت، وهذه بعض الروابط ليطمأن "قلبك":
http://www.startimes.com/?t=24024944
وهذا عن غزوة بدر الأولى (تعرف أيضاً باسم "غزوة سفوان"):
https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%BA%D8%B2%D9%88%D8%A9_%D8%B3%D9%81%D9%88%D8%A7%D9%86
https://ar.wikisource.org/wiki/%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AF%D8%A7%D9%8A%D8%A9_%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%87%D8%A7%D9%8A%D8%A9/%D8%A7%D9%84%D8%AC%D8%B2%D8%A1_%D8%A7%D9%84%D8%AB%D8%A7%D9%84%D8%AB/%D8%BA%D8%B2%D9%88%D8%A9_%D8%A8%D8%AF%D8%B1_%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%88%D9%84%D9%89
وهذا عن غزوة بدر الكبرى:
https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%BA%D8%B2%D9%88%D8%A9_%D8%A8%D8%AF%D8%B1
وهذا عن غزوة بدر الصغرى ("الآخرة"):
https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%BA%D8%B2%D9%88%D8%A9_%D8%A8%D8%AF%D8%B1_%D8%A7%D9%84%D8%A2%D8%AE%D8%B1%D8%A9
http://islamstory.com/ar/%D8%A8%D8%AF%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%B5%D8%BA%D8%B1%D9%89-%D8%A8%D8%AF%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%88%D8%B9%D8%AF-%D8%A8%D8%AF%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%AE%D8%B1%D9%87
قلت: وهذا لا ينفي أن هنالك الكثير من التحريف والتزوير التاريخيين، في محاولة من بعض السياسيين لشرعنة أفعالهم وسلوكياتهم بالزعم بأن النبي قام بها؛ ولكنني حتى الآن لم أطرح هذه التحريفات، وأناقشك بما هو معروف ومتداول ولا خلاف عليه أو حوله...
أما لماذا تبدو هذه المعلومات جديدة، فهي لأنني لا أقرأها مع تفسيراتها ونتائجها المرفقة بشكل ببغائي... ولكن أقرأ الوقائع وأستنتج ما يقوله العقل والمنطق، وليس ما استنتجه لي هذا الكاتب أو ذاك! وأفسّر الأحداث والوقائع وفق المنهج العلمي-العقلي، وليس وفق تفسيرات وتأويلات الكاتب (مهما علا شأنه واشتهر اسمه ولمع نجمه)...
قال: إذاً فماذا كانت كل هذه الغزوات والفتوحات التي قام بها النبي محمد؟
قلت: كانت 29 غزوة (مع المبالغات) خلال 8 سنوات (السنة 2 للهجرة وحتى السنة 9)، 9 منها حدث فيها قتال (معارك)، وكلها ضمن سلسلة الحرب المفتوحة مع مشركي قريش، وكلها في إطار الدفاع عن النفس، وفي 7 منها (من 9) خرج على علمٍ مسبق بعدوان تم إطلاقه ضد مدينة المسلمين.
أما الفتح الوحيد فكان "فتح مكة" (لم يحدث فيه قتال وعفى النبي عن أعدائه وأطلقهم فسموا "الطلقاء" ومنهم أبو سفيان والذي أصبح ابنه معاوية "خليفةً")؛ وهذا الفتح هو ما شكل نهاية الحرب. ومجموع ضحايا غزوات وحروب وفتوحات خلال السنوات الثمانية بلغوا نحو 1000 شخص مزعومين: هنالك الكثير من الأدلة تؤكد أن الرقم هو أقل من النصف...
فقد جعلوا حصة المذبحة المزعومة والمعروفة باسم "بني قريظة" 600 قتيل "ذبحوا" إعداماً وليس قتالاً(!!!) أي كل ضحايا حروب المسلمين وإعداماتهم وأسراهم 400 شخص، وغزوة بني قريظة لوحدها لم يقتل فيها أحد ولكن أسر فيها 600 شخصاً قتلوا جميعاً، عن بكرة أبيهم... وعندما تدقق وتبحث عن هذه الغزوة وقصتها، وتطابق مع ما هو مثبت، ومع القرآن، تجد استحالات غير ممكنة... ولكن هذا هو ما كتبوه على أية حال... وهذا رابط فيه ما يثبت كلامي:
https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%BA%D8%B2%D9%88%D8%A7%D8%AA_%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%B3%D9%88%D9%84_%D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF
قال: وماذا عن غزو الشام والعراق ومصر وباقي الغزوات؟
قلت: أولاً، هذه غزوات سياسية، ولم تكن دينية بأي شكل... ولا قامت بتكليف ديني، وإنما كانت لأسباب سياسية وقومية... بدليل أن أهم الصحابة البدريين – وخاصةً من عرفوا بأنهم لم يتخلفوا عن معركة واحدة مع النبي (ص) كعلي بن أبي طالب وأبناءه – لم يشاركوا بهذه المعارك على الإطلاق... ومن قادها وشارك بها (مثل خالد بن الوليد، ومعاوية بن أبي سفيان، وغيرهم) هم من الطلقاء (الذين أسلموا عند فتح مكة) والمتأخرين جداً في الإسلام...
ثانياً، عندما ظهرت الدولة الإسلامية في الحجاز شكلت ملاذاً وظهراً آمناً لكل المسيحيين المضطهدين من المذاهب التي رفضتها وحاربتها الكنيسة الملكية البيزنطية، وخاصةً في اليمن وغيرها من شرق وغرب وجنوب شبه جزيرة العرب. كما أن الحجاز كانت منطقة تابعة للإمبراطورية الرومانية، وكانت "قريش" و"مكة" هما السلطة الرومانية في الحجاز.
فلما بايع أهل المدينة محمداً اعتبر الرومان ذلك تمرداً عليهم؛ وتركوا الأمر لقريش لتقوم بتصفيته (على طريقة الحرب بين المناذرة العراقيين والغساسنة الشاميين)، ولكن انتصار المسلمين غير الأوضاع وجعل الإمبراطورية الرومانية تقرر مهاجمة المسلمين بشكل مباشر، عبر تحالفٍ قبلي تزعمه الملك الشامي الكِندي المسيحي أكيدر بن عبد الملك. ولكن النبي أرسل قوات المسلمين إلى منطقة دومة الجندل لتكون خط الدفاع الأول. فلبثت هناك ولم تهاجم أحداً.
"أرسل النبيّ في تلك الفترة كتابهُ إلى هرقل وكتابًا آخر إلى الحارث بن أبي شُمَّر الغسَّاني ملك تُخوم الشَّام. وتطرَّق في الكتاب الذي أرسلهُ إلى هرقل إلى أوضاع القبائل العربيَّة المُوالية لِبيزنطية، طالبًا منه ألَّا يحول بين الفلَّاحين وبين الإسلام إن قرروا الدُخول فيه أو أن يُعطوا الجزية، الأمر الذي أثار الإمبراطور البيزنطي ودفعهُ إلى استنفار قُوَّاته وحُلفائه من العرب. واعتُرض مبعوث النبيّ الحارث بن عُمير الأزدي إلى ملك الغساسنة من قِبل شرحبيل بن عمرو الغسَّاني، وقتلهُ عند طريق مؤتة"...
https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%AA%D8%AD_%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%B3%D9%84%D8%A7%D9%85%D9%8A_%D9%84%D9%84%D8%B4%D8%A7%D9%85
وقتل المبعوث، في أعراف ذلك الزمان السياسية والعسكرية، كان يعني إعلان الحرب. وكان يعني أن هنالك قوة عسكرية قادمة... فجهز النبي حملة من 3000 مقاتل، وسمى ثلاثة قادة يخلف الواحد منهم الآخر في حال سُقوطه. وفي المقابل "حشد هرقل [...] من مقرِّه في أنطاكية، قُوَّةَ عسكريَّةً بيزنطيَّة بِقيادة أخيه تذارق (ثُيودور) زحفت باتجاه الجنوب وعسكرت في مؤاب من أرض البلقاء، وانضمَّت إليها في هذا المكان قُوَّاتٌ عربيَّة مُوالية من بهراء وبكر بن وائل ولخم وجُذام تُقدَّر بِمائة ألف مُقاتل."
"ووصلت إلى مسامع النبيّ، بعد عودته إلى المدينة في أواخر سنة 8هـ المُوافقة لِأوائل سنة 630م في أعقاب فتح مكَّة وانتصاره في حُنين؛ أنباء عن حُشودٍ روميَّة - عربيَّة مُشتركة بِهدف القيام بِهُجومٍ على المدينة والقضاء على الدولة الإسلاميَّة الناشئة، قبل أن يشتد ساعدها وتُشكِّلُ خطرًا جديًّا على الوُجود البيزنطي في الشَّام؛ فقرَّر التصدّي لها. فخرج من المدينة في شهر رجب سنة 9هـ المُوافق فيه شهر تشرين الأوَّل (أكتوبر) سنة 630م على رأس جيش يُقدَّرُ بِثلاثين ألف مُقاتل، ووصل إلى تبوك، لكن لم يقع قِتال بفعل انسحاب قِوى التحالف شمالًا قبل وُصول المُسلمين. وراح النبيُّ يتَّصلُ بِزُعماء القبائل المسيحيَّة المُنتشرة في المنطقة في مُحاولة لاستقطابهم وفك تحالُفهم مع بيزنطية. وفعلًا وفدت عليه وُفود القبائل المُجاورة وصالحتهُ على الجزية، فحقق بحركته الصعبة تلك، انتصارًا على الجبهة الشماليَّة، إذ ربط العديد من القبائل العربيَّة الشاميَّة بالدولة الإسلاميَّة، فمدَّ نُفوذها إلى عُمق المناطق التي كان سُكَّانُها يعملون لِصالح الروم ويُؤدون دورًا خطيرًا في مُقاومة امتداد الإسلام باتجاه الشِّمال، وفتح منافذ الطُرق إلى الشَّام وبعث رُوح المُقاومة والتحرير في نُفوس العرب المُقيمين بالديار البيزنطيَّة".
https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%AA%D8%AD_%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%B3%D9%84%D8%A7%D9%85%D9%8A_%D9%84%D9%84%D8%B4%D8%A7%D9%85
من جديد: محمد والمسلمين والعرب لم يهاجموا البيزنطيين... ولم تكن القوة من الأصل متكافئة حتى يهاجموهم... ولم تكن عادة النبي أصلاً الهجوم في غزواته... وإنما الذي حدث هو العكس: مطالبة النبي (ص) لهرقل بأن لا يكره الناس في الدين، وبأن يعالج مظالم الناس، بصفته يقود أحد هذه المجتمعات التي هيمن عليها الرومان بالحديد والنار، هي التي استفزت البيزنطيين لهذه الجرأة المنقطعة النظير، والتي دفعتهم للمبادرة بالهجوم... والمسلمون كانوا يدافعون عن أنفسهم... ولكن الشام المحتلة والمقموعة وجدت لنفسها مخلصاً من عذاباتها وفساد ملوكها... ولذك تداعت وتواصلت مع النبي (ص) وعملت معه على التخلص من الاحتلال الروماني... مثلهم مثل أي شعب محتل ويسعى للمقاومة والتحرير...
ثالثاً وأخيراً، الخلفاء الأوائل (أبي بكر وعمر وعثمان) لم يتصرفوا من منطلق ديني، بقدر ما تصرفوا كحكام دولة، وبموجب المسؤوليات التي يقتضيها الحكم وفق أعراف ذلك الزمان: الدولة البيزنطية كانت تنهار عملياً أمام الإمبراطورية الفارسية... والعكس أيضاً كان يحدث (مع الفرس)... والانهيار كان يترتب عليه الفراغ... ولم تكن هنالك في المنطقة – وخاصةً في الشام أو العراق أو مصر – أي قوة قادرة على ملء هذا الفراغ... في المقابل كان في الجنوب يوجد دولة منظمة ومنفتحة وجيش عقائدي متنور... ومنفتح ومن أبناء الأرض والمنطقة... فكان التطور الطبيعي والمنطقي للأمور أن تتكتل كل القوى التحررية الصغيرة والضعيفة حول هذا المركز الجاذب، لتقوم بتحقيق عملي التحرر الوطني...
فلم يكن هنالك "غزو" ولا "احتلال" عربي-إسلامي للعراق والشام، وإنما كانت هنالك مواجهة بين المستفيدين من الاحتلال البيزنطي – كما هي الحال دوماً في الاستعمار – وما بين الوطنيين وقوى التحرر الوطني... وما حدث بعدها كان تحول الشام (في العصر الأموي) إلى إمبراطورية حكمت العالم (بعد أن كانت خاضعة للاحتلال)...
أما علي بن أبي طالب (ك) – والذي كان يحكمة بالحكمة الدينية أكثر منه بالسياسة التقليدية لذلك الزمان – فامتنع (في خلافته بالعراق) عن الفتوحات والمعارك (كما فعل الأمويون في الشام)، والإسلام الذي انتشر في آسيا في تلك الحقبة كان انتشاره عائداً بشكل رئيسي إلى التجار والمسافرين والدعاة المسلمين... بدليل أنه في عهده لم تحدث فتوحات في آسيا انطلاقاً من العراق...