بسم الله الرحمن الرحيم
هل دخلت حواراً من قبل واتهموك بالتناقض؟
هل عانيت من سياط المنطق الأرسطي وأشعرك بالذنب؟
تعال لنقرأ معاً حول هذه القضية المهمة لنفهم أكثر.
قراءة ممتعة
يسلط المؤمنون بالمنطق الأرسطي سياط عدم التناقض على أي فكرة يطرحها المقابل دون النظر بعين الاعتبار للإشكالية التي يتم طرحها وبالتالي يتم نقض الفكرة من أساسها (عندهم) قبل حتى مناقشتها من باب السماح بالقول بالتناقض يؤدي إلى مفسدة. ولا أكون مخطئاً إن قلت أن هذه الفكرة بذاتها هي هدم لأي محاولة تفكير خارج النمط الذي يرونه صحيحاً.
ولهذا فإن جوابي على المسألة هذه ينطلق من عدة أسس أولها نسبية المعرفة ليست هي نسبية الحقيقة، وثانيها أن المبادئ العقلية هي حبيسة الأسس الأولية التي تنشأ عليها، وبالتالي فخرق المبادئ العقلية ممكن عندما يتم خرق الأسس.
أولاً: نسبية المعرفة أم نسبية الحقيقة
لو نظرنا إلى مكعب، فنحن نعلم أن عدد أوجه المكعب هي 6، وعدد رؤوسه هي 8، وعدد أضلاعه هي 12 وهو أيضاً جسم ثلاثي الأبعاد. وبالتالي لو قرأنا جميع الصفات التي نصف بها المكعب نجد واحدة غريبة وهي تعريف الابعاد الثلاثة، فهل نحن في عالم ثلاثي أم رباعي أم لا نهائي الأبعاد؟ فأول إنكار لما يراه البعض "حقيقة" هو إنكار جملة ثلاثي الأبعاد. فلو كان التعريف مبني على أساس افتراض واقع ثلاثي الأبعاد وتم إيضاح هذا فعندها سيصدق التعريف لأنه أقر بمحدوديته الذاتية على الاحاطة بكل شيء.
النظرة الثانية للقضية توضح أننا وبحسب الخبرة لا يمكننا الإحاطة بجميع أوجه المكعب مرة واحدة، فنحن حتى نحصل على صورة جيدة نحتاج النظر إلى الأوجه الستة ثم تقليب المكعب في الفضاء لفهم كيف ترتبط تلك الأوجه وبالتالي فعمليا هناك أكثر من 7 طرق للنظر إلى هذا الأمر. الآن لا تستطيع القول على ان طريقتي هي الأصوب وطريقة غيري هي الأشمل. في الحقيقة الطرق المختلفة يكمل بعضها الآخر لتكوين صورة أقرب للواقع.
وبالتالي فإن ما تعرفه هو نسبي في قبال حقيقة صامدة. وأنت تحتاج للعديد من وجهات النظر كي تصل إلى فهم أكبر لتلك الحقيقة الماثلة أمامك. وهذا ما أقصد به نسبية المعرفة لا الحقيقة. فنحن لا نمتلك حقائق بل نمتلك معارف.
المبادئ العقلية
يتم غالبا الاستعانة بمثال أن العدد 2 هو زوج بينما العدد 3 هو فرد، ولا يمكن أن يكون العدد 2 فرديا لأن صفة الزوجية ذاتية له. وينسى هؤلاء المحتجين بهذا الأمر أن لزام هذا التعريف الانطلاق من مبدأ أن العدد 2 هو عدد صحيح. وهذا يعيدنا للفكرة الأولى أن الإلزام مبني على أسس يجب أن نراعيها. وبالتالي فهناك عدد لا يمكن أن يكون زوجا ولا فردا، بل هو شيء آخر. وبالتالي هذا يقودنا إلى نقطة أهم: المناطقة ينطلقون من فكرة قانون الهوية أن هذه أمور هي صفة ذاتية للأشياء كما وضحنا سابقا في زوجية العدد 2. وهنا يبدأ الاختلاف.
برأيي الشخصي فإن المناطقة يخلطون بين العالم الواقعي والعالم المجرد ويحاولون تطبيق قوانين العالم المجرد على الواقعي. فالأعداد بالاتفاق (كونه الاتفاق حجة العقلاء عموما) مجردة لا وجود حقيقي لها وهي اعتبارية. وبالتالي كيف يمكن جر القوانين من الاعتبار للواقع؟ هذه من التساؤلات المهمة. الجواب بسيط: نحن نجرد الواقع كي نتعامل معه لا أن الواقع مجرد. على أن هذه النقطة فيها خلاف ويذهب البعض إلى إثبات وجود المجرد في رتبة أخرى.
ومن هذا المنطلق فإني أزعم أن من يحاول إلزامي بقوانين المنطق بفرضياتي فهو يحاول اقحام أدوات منطق آخر في منطقي.
تطبيق عملي: الدين الصحيح وفهمه
يذهب المناطقة المؤمنون إلى كون مفهوم أن جميع الأديان صحيحة متناقض بذاته، وأن جميع الأفهام للدين صحيحة متناقض بذاته هو الآخر، وبالتالي وجب علينا أن نلتزم فهما وحيداً ودينا وحيداً فهذا ما يقول به العقلاء!
أناقش هذا القول من عدة أبواب. أولها باب الإمكان العقلي حيث كما يجيز العقل الإسلامي وجود إله يرضى ويغضب ويجلس على العرش ولديه ملائكة بأجنحة متعددة فالعقل يجيب بالتساوي إمكانية تجلي الآلهة في كيان بشري أو حيواني.
وفي نقطة مستطردة نجد أن النقاش حول شرك وكفر الأديان الأخرى يدور في فلك قضيتين:
1- هل الوسيلة الى الله عن طريق مخلوق جائزة أم لا إن تم الاعتقاد بعدم قدرة المخلوق على الضرر والنفع إلا بإذن الله.
2- هل الأديان التي تتصل بالله عن طريق مخلوقات دنيوية وفق هذا المقياس مشركة أم لا.
والأهم من هذا فإن الفكر الإسلامي ينطلق من رفض عبادة الأوثان والمخلوقات على أنها آلهة مستقلة وبنفس الوقت ينكر على الفكر الشِركي قوله أن تلك الآلهة هي تقريب للإله الأصلي. وبالتالي فالمحلل للفكرة القرآنية سيجد أن القضية تقوم على عدة مباني:
أ- هناك آلهة مع الله (قد تكون أقل من الله).
ب- الآلهة لديها القدرة على الاتصال بالله وتقريب من يتصل بها من الله.
جـ- القدرة على الاستجابة.
ومن هنا ينطلق عموما أساس رمي الآخرين بالشرك.
وعموما فبنظري أن المناطقة إن احتجوا بالمنطق فلا يمكنهم الإنكار على أحد. في الحقيقة لا يمكنهم سوى إثبات أن عموم دعاوي الإسلام في القرآن ليست منافية للعقل بالكلية. وبالتالي فالمنطق هنا حجة دفاعية لا حجة ضد الآخر.
أما فهم الدين، فإن فقهاء المسلمون يحرمون على الناس التفكير بالشريعة والنص إنطلاقاً من مفهوم أن شرع الله لا يمكن يحتمل قرائتين مختلفتين كليا وإلا لسقط مراد الله. ولديهم جملة من التبريرات المبنية على القرآن والسنة. وهذا عموما يفسر لماذا المدارس الفقهية متقاربة جداً. ولو حاولنا النظر إلى العقائد أيضاً لن نجد ذلك التنوع الشديد ولكن هناك تقسيم واضح، فالعقائد الإسلامية تنقسم إلى مدارس معروفة من مثل الإمامية والأشعرية والسلفية والصوفية. كلٌّ يقدم قراءته للنص.
وبالتالي فالفقهاء المسلمون بالمنطق يفرضون حجيتهم وبالمنطق يرفضون حجة الآخر برميه باللامنطقية.
هل المنهج الفقهي منهج علمي؟
الجواب عندي نعم. أولاً فالقراءة التاريخية للفقه تبين أنه نشأ لاحقاً، وأن أسسه من قرآن وحديث أتت أيضاً لاحقاً. وبالتالي فهو اختراع بشري مستند على أصل إلهي (حسب دعواه). ومن هذا المنطلق فبما أن الفقه اختراع بشري اذن جاز نقضه وتغييره إلى ما هو أفضل في حاول وجوده. وجاز اعادة دراسته وتقييمه وفق الأسس المادية والأخلاقية. وجاز توضيح الأثر التاريخي في إنشاءه. وبالتالي كما أسلفنا يجوز الإتيان بما هو جديد وفق المنظومة الفقهية.
على المعترض إثبات نقيض ما أقول. على المعترض إثبات أن القرآن لم ينزل وفق الاحتياج والمناسبات في أهم مراحل نشوء الدولة الإسلامية. ألم يرد في القرآن: "( قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله والله يسمع تحاوركما إن الله سميع بصير ( 1 ) ) - سورة المجادلة. قراءة القرآن تقول بعكس ما يزعمه الكثير. وملاحظة جانبية: قد تم تنزيه القرآن عن أسباب النزول الزمنية ليس لسبب إلا كونه يتعارض مع أسس علم الكلام وتنزه الله عن الغاية. وهذا لعمري فساد في الفكر عظيم.
إن الإنفتاح على الأفكار الجديدة والتخلي عن الأفكار القديمة يحتاج شجاعة عظيمة. وفعلاً إن أعظم انتصار هو الانتصار على الذات.
دمتم بود.