بسم الله الرحمن الرحيم
لقد ازدادت معرفة الإنسان وتطورت أدواته التي يستخدمها في الكشف عن هذا العالم. واليوم نحن نقف أمام قضية تتكرر كل عام: رصد الهلال.
برأينا: قبل تكوين موقف فقهي يجب علينا فهم الواقع؛ لأن فهم النص يتبع التأثر بالواقع وكمية المعرفة المتراكمة
قراءة ممتعة
كثرت الدعاوي اليوم حول ضرورة توحيد رؤية الهلال في العالم الإسلامي حيث يجب ان يتم توحيد بداية السنة الهجرية عند كل المسلمين حول العالم.
ولكن رؤية الهلال هي من القضايا التي يتنازع حولها اطاري العلم والدين فكرياً. فالمتعرض للآراء الفقهية يجدها قد اختلفت بينها حول معنى الحديث الشهير "صوموا لرؤيته، وأفطروا الرؤية" وفي تفسيره قد اختلفوا ايضاً. ونستطيع تلخيص جوانب الاختلاف كالآتي:
- اختلاف في كون الرؤية محلية أم لا (للاستزادة اضغط هنا و هنا)
- اختلاف حول هل تكون الرؤية بالعين المجردة أم المسلحة (للاستزادة اضغط هنا و هنا)
إن الجواب ليس محله تأويل النص ولا تعميم المصلحة. فرؤية الهلال تتأثر بطريقة الرؤية (بالعين المجردة أم المسلحة)، وهذه نقطة يحددها حالياً العلم بدقة عالية. وبالتالي يجب علينا أن نفهم متى يظهر الهلال وأين وكيف نراه حتى نحكم.
لنأخذ شهر رمضان للعام الهجري ١٤٣٩ المصادف ٢٠١٨ ميلادية:
بدأ هلال رمضان بالظهور وسط المحيط الهادئ بتاريخ ١٥-٥-٢٠١٨، لكنه بتاريخ ١٦-٥-٢٠١٨ يصبح قابلا للرؤية (بالعين المجردة أو المسلحة) في معظم مناطق العالم. انظروا الصور ادناه والتي توضح مناطق الرؤية.
ملاحظة: مفتاح الخارطة
الأحمر: يمكن الرؤية بالعين المجردة بسهولة
البرتقالي: يمكن الرؤية بالعين المجردة في الظروف المثالية.
البرتقالي الفاتح: الهلال غرب قبل الشمس.
الأصفر: ربما يجب الاستعانة بالمساعِدات البصرية لتحديد الهلال.
الأزرق الفاتح: يجب الاستعانة بالمساعِدات البصرية لتحديد الهلال.
الأزرق الغامق: لا يمكن رصد الهلال بالتيليسكوب العادي.
الأبيض: غير قابل للرصد. اضافة مني: يمكن رؤية الهلال بواسطة كاميرا التصوير الفلكي وهي طريقة تجعلنا نرى الهلال قبل الغروب.
وبالنسبة لشهر شوال، فنتائج العلم تقول أن رؤية الهلال ممكنة ابتداءً من تاريخ ١٤-٦-٢٠١٨. فمن آفطر يوم ١٤ فهو لم يرَ الهلال.
وقفة مع هلال شوال للعام ٢٠١٣:
في نهاية رمضان عام ٢٠١٣، تم اعلان رؤية هلال شوال يوم الاربعاء المصادف ٧-٨-٢٠١٣ (المصدر هنا)، ولكن العلم يقول أن الهلال غير قابل للرؤية، والرصد ليس له ان يتخلّف عن العلم فقد صرح مشروع رصد الأهلة الاسلامي انهم لم يستطيعوا رؤية الهلال الا بواسطة كاميرا التصوير الفلكي والتي تستخدم ادوات خاصة للكشف عن الهلال، هذه الادوات تستطيع رصد الهلال نهاراً للعلم (المصادر هنا و هنا).
ماذا يقول العلم:
إن ظهور الهلال ليس سوى ظاهرة محلية تختلف من مكان لآخر، فلا يعني ظهوره في بلد ما، أنه يظهر لبلد آخر، وبالتالي فلا توجد امكانية لتوحيد بداية السنة الهجرية إلا لو تم التخلي عن معيار رصد الهلال أو القول بوحدة الأفق المطلقة.
ماذا نقول:
ليس الهدف هنا اعادة تأويل النصوص، وليس الهدف ايضاً التشديد على اهمية وحدة المسلمين وتقديم صورة جيدة للعالم. فالهدف هنا هو تقديم الحقيقة كما هي حتى يكون الجميع على بينة فلا نكتم علماً ضرورياً ولا ندلس الواقع.
ماذا عن حديث صوموا لرؤيته وافطروا لرؤيته؟
يذهب البعض إلى أن هذا الحديث هو خطاب لعموم الأمة، بينما يذهب البعض الآخر إلى أن هذا حديث موجه للمسلم الفرد. وأيضاً ينظر البعض إلى هذا الحديث فلا يجد فيه لازمة جغرافية. لكن القرآن يقول أن على من يشهد الشهر أن يصومه. بالتالي إن جمعنا بين الحديث والقرآن بهدف رفع التناقض، فلا مفر من القول بمحلية الهلال؛ إلا لو اجتمع المسلمون على تعريف بداية شهر واحدة للجميع بلا رصد مختلف جغرافياً، فعندها يمكن أن يشهد أحدنا نفس رمضان أينما يذهب.
ختاماً أقول: أنا من المؤمنين بمحلية شهر رمضان، طالما لم يتفق المسلمون بينهم على كلمة موحدة، فيد الله فوق يد الجماعة.
دمتم بود.